مناقب الترك
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مناقب الترك
من المعلوم أن الترك كونوا عنصراً قوياً في الدولة العباسية و كان وجودهم و إبداعهم في الجيش حيث أنهم أهل قوة و بأس شديد، مما دعى إلى الكتابة عنهم و ذكرهم في الأدب العربي، فقد ذكر الجاحظ في رسالة من رسائله مناقبهم و ذكر خصالهم و هذا بعض ما ورد في تلكم الرسالة.
هذا كتاب كنت كتبته أيام المعتصم بالله رضي الله عنه فلم يصل إليه لأسبابٍ يطول شرحها فلذلك لم أعرض للإخبار عنها.
وأحببت أن يكون كتاباً قصداً ومذهباً عدلاً ولا يكون كتاب إسراف في مديح قوم وإغراق في هجاء آخرين.
وإن كان الكتاب كذلك شابه الكذب وخالطه التزيد وبنى أساسه على التكلف وخرج كلامه مخرج الاستكراه والتغليق.
وأنفع
المدائح للمادح وأجداها على الممدوح وأبقاها أثراً وأحسنها ذكراً: أن
يكون المديح صدقا وللظاهر من حال الممدوح موافقا وبه لائقا حتى لا يكون من
المعبر عنه والواصف له إلا الإشارة إليه والتنبيه عليه.
وأنا
أقول: إن كان لا يمكن ذلك في مناقب الأتراك إلا بذكر مثالب سائر الأجناد
فترك ذكر الجميع أصوب والإضراب عن هذا الكتاب أحزم وذكر الكثير من هذه
الأصناف بالجميل لا يقوم بالقليل من ذكر بعضهم بالقبيح لأن ذكر الأكثر
بالجميل نافلة وباب من التطوع وذكر الأقل بالقبيح معصية وباب من ترك
الواجب.
وقليل الفريضة أجدى علينا من كثير التطوع.
ولكل نصيب من النقض ومقدار من الذنوب وإنما يتفاضل الناس بكثرة المحاسن وقلة المساوى.
فأما الاشتمال على جميع المحاسن والسلامة من جميع المساوئ دقيقها وجليلها وظاهرها وخفيها فهذا لا يعرف.
ولست
بمستبقٍ أخاً لا تلمه على شعثٍ أيُّ الرجال المهذب وقال حر يش السعدي:
أخ لي كأيام الحياة إخاؤه تلوَّن ألواناً على خطوبها إذا عبت منه خلة
فتركته دعتني إليه خلة لا أعيبها وقال بشار: إذا كنت في كلِّ الأمور
معاتباً خليلك لم تلق الذي لا تعاتبه فعش واحداً أو صل أخاك فإنه مقارف
ذنبٍ مرةً ومجانبه إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظميت وأيُّ الناس
تصفو مشاربه وقال مطيع بن إياسٍ الَّليثيّ: ولئن كنت لا تصاحب إلا
صاحباً لا تزل ما عاش نعله لم تجده ولو جهدت وأنَّى بالذي لا يكون يوجد
مثله إنما صاحبي الذي يغفر الذَّن ب ويكفيه من أخيه أقله وقال محمد بن
سعيد وهو رجلٌ من الجند: سأشكر عمراً إن تراخت منيتي أيادي لم تمنن وإن
هي جلتِ رأى خلتي من حيث يخفى مكانها فكانت قذى عينيه حتى تجلت فإذا كان
الخلطاء من جمهور الناس وأصحاب المعايش من دهماء الجماعة يرون ذلك واجباً
وتدبيراً في التعامل على ما هم فيه من مشاركة الخطأ للصواب وامتزاج الضعف
بالقوة فلسنا نشك أن الإمام الأكبر والرئيس الأعظم مع الأعراق الكريمة
والأخلاق الرفيعة والتمام في الحلم والعلم والكمال في الحزم والعزم مع
التمكين والقدرة والفضيلة والرِّياسة والسيادة والخصائص التي معه من
التوفيق والعصمة والتأييد وحسن المعونة أن الله جل اسمه لم يكن ليجلله
باسم الخلافة ويحبوَه بتاج الإمامة وبأعظم نعمة وأسبغها وأفضل كرامةٍ
وأسناها ثم وصل طاعته بطاعته ومعصيته بمعصيته إلا ومعه من الحلم في موضع
الحلم والعفو في موضع العفو والتغافل في موضع التغافل ما لا يبلغه فضل ذي
فضلٍ ولا حلم ذي حلمٍ.
ونحن
قائلون ولا حول ولا قوة إلا بالله فيما انتهى إلينا في أمر الأتراك: زعم
محمد بن الجهم وثمامة بن الأشرس والقاسم بن سيار في جماعة ممن يغشى دار
الخلافة وهي دار العامة قالوا جميعاً: بيننا حميد بن عبد الحميد جالساً
ومعه يخشاد الصُّغدي وأبو شجاع شبيب بن بخاراخداي البلخي ويحيى بن معاذ
ورجال من المعدودين المتقدمين في العلم بالحرب من أصحاب التجارب والمراس
وطول المعالجة والمعاناة في صناعات الحرب إذ خرج رسول المأمون فقال لهم:
نقول لكم متفرقين ومجتمعين: ليكتب كل رجلٍ منكم دعواه وحجته وليقل أيما
أحب إلى كل قائد منكم إذا كان في عدته من صحبه وثقاته: أن يلقى مائة
تركي أو مائة خارجي فقال القوم جميعاً: لأن نلقى مائة تركي أحب إلينا من
أن نلقى مائة خارجي! وحميد ساكت.
فلما فرغ القوم جميعاً من حججهم قال الرسول: قد قال القوم فقل واكتب قولك وليكن حجة لك أو عليك.
قال:
بل ألقى مائة خارجي أحب إلي لأنني وجدت الخصال التي يفضل بها الخارجي جميع
المقاتلة غير تامةٍ في الخارجي ووجدتها تامة في التركي.
ففضل التركي على الخارجي بقدر فضل الخارجي على سائر المقاتلة ثم بان التركي عن الخارجي بأمورٍ ليس فيها للخارجي دعوى ولا متعلق.
على أن هذه الأمور التي بان بها التركي عن الخارجي أعظم خطراً وأكثر نفعا مما شاركه الخارجي في بعضها.
ثم
قال حميد: والخصال التي يصول بها الخارجي على سائر الناس صدق الشدة عن
أول وهلة وهي الدفعة التي يبلغون بها ما أرادوا وينالون الذي أملوا.
والثانية:
الصبر على الخبب وعلى طول السُّرى حتى يصبح القوم الذين مرقوا بهم غارين
فيهجموا عليهم وهم بسوء ولحمٌ على وضم يتعجَّلونهم عن الروية وعن رد النفس
عن النزوة والجولة لا يظنون أن أحداً يقطع في ذلك المقدار من الزمان ذلك
المقدار من البلاد.
والثالثة: أن الخارجي موصوف عند الناس بأنه إن طَلب أدرك وإن طُلب فات.
والرابعة:
خفة الأزواد وقلة الأمتعة وأنها تجنب الخيل وتركب البغال وإن احتاجت أمست
بأرضٍ وأصبحت بأخرى وأنهم قوم حين خرجوا لم يخلفوا الأموال الكثيرة
والجنان الملتفة والدور المشيدة ولا ضياعاً ولا مستغلات ولا جواري مطهمات
وأنهم لا سلب لهم ولا مال معهم فيرغب الجند في لقائهم وإنما هم كالطير لا
تدخر ولا تهتم لغدٍ ولها في كل أرض من المياه والأقوات ما تتبَّلغ به وإن
لم تجد ذلك في بعض البلاد فأجنحتها تقرب لها البعيد وتسهل لها الحزون.
وكذلك
الخوارج لا يمتنع عليهم القرى والمطعم وإن تمنع عليهم ففي بنات شحَّاجٍ
وبنات صهَّال وخفة الأثقال على طول الخبب ما يسهل أقواتها ويكثر من
أرزاقها.
والخامسة:
أن الملوك إن أرسلوا إليهم أعدادهم ليكونوا في خفة أوزارهم وأثقالهم
وليقووا على التنقل كقوتهم لم يقووا عليهم لأن مائة من الجند لا يقومون
لمائة من الخوارج وإن كثفوا الجيش بالجيش وضاعفوا العدد بالعدد ثقلوا عن
طلبهم وعن الفوت إن طلبهم عدوهم.
ومتى
شاء الخارجي أن يقرب منهم ليتطرَّفهم أو ليصيب الغرة منهم أو ليسلبهم فعل
ذلك ثقة بأنه يغنم عند الفرصة ورؤية العورة ويمكنه الهرب عند الخوف.
وإن شاء كبسهم ليقطع نظامهم أو ليقتطع القطعة منهم.
قال حميد: فهذه هي مفاخرهم وخصالهم التي لها كره القواد لقاءهم.
قال
قاسم بن سيار: وخصلة أخرى وهي التي رعبت القلوب وخلعتها ونقضت العزائم
وفسختها وهو ما تسمع الأجناد ومقاتلة العوام من ضرب المثل بالخوارج كقول
الشاعر: إذا ما البخيل والمحاذر للقرى رأى الضيف مثل الأزرقيِّ المجفَّف
وكقول الآخر: وقلبِ ودٍّ حال عن عهده والسيف ينبو بيد الشاري وكقول
الآخر: لقاء الأسد أهون من لقاه إذا التحكيم يسهر بالأصل فهذه زيادة
قاسم بن سيار.
فأما
حميد فإنه قال: الشدة الأولى التركي فيها أحمد أثراً وأجمع أمراً وأحكم
شأنا لأن التركي من أجل أن تصدق شدته ويتمكن عزمه ولا يكون مشترك العزم
ولا منقسم الخواطر قد عود برذونه ألا ينثنى وإن ثناه أن يملأ فروجه للأمر
يديره مرة أو مرتين وإلا فإنه لا يدع سننه ولا يقطع ركضه.
وإنما
أراد التركي أن يوئس نفسه من البدوات ومن أن يعتريه التكذيب بعد الاعتزام
لهول اللقاء وحب الحياة لأنه إذا علم أنه قد صيَّر برذونه إلى هذه الغاية
حتى لا ينثني ولا يجيبه إلى التصرف معه إلا بأن يصنع شيئاً بين الصفين فيه
عطبه لم يُقدم على الشدة إلا بعد إحكام الأمر والبصر بالعورة.
وإنما
يريد أن يشبه نفسه بالمُحرج الذي إذا رأى أشد القتال لم يدع جهدا ولم يدخر
حيلة ولينفيَ عن قلبه خواطر الفرار ودواعيَ الرجوع.
وقال: الخارجيُّ عند الشدة إنما يعتمد على الطِّعان والأتراك تطعن طعن
الخوارج وإن شدَّ منهم ألف فارس فرموا رشقاً واحداً صرعوا ألف فارس فما
بقاء جيش على هذا النوع من الشدة! والخوارج والأعراب ليست لهم رماية
مذكورة إلى ظهور الخيل والتركيُّ يرمى الوحش والطي والبرجاس والناس
والمجثَّمة والمثل الموضوعة ويرمى بعشرة أسهم قبل أن يفوق الخارجي سهماً
واحداً ويركض دابته منحدراً من جبل أو مستفلاً إلى بطن واد بأكثر مما يمكن
الخارجي على بسيط الأرض.
وللتركيِّ أربعة أعين: عينان في وجهه وعينان في قفاه.
وللخارجيِّ عيب في مستدبر الحرب وللخرسانيِّ عيبٌ في مستقبل الحرب.
فعيب
الخرسانية أن لها جولة عند أول الالتقاء وإن ركبوا كسأهم كانت هزيمتهم
وكثيراً ما يثوبون وذلك بعد الخطار بالعسكر وإطماع العدوِّ في الشدة.
والخوارج إذا ولوا فقد ولوا وليس لهم بعد الفرِّ كر إلا ما لا يعد.
والتركيُّ
ليست له جولة الخراساني وإذا أدبر فهو السم النافع والحتف القاضي لأنه
يصيب بسهمه وهو مدبرٌ كما يصيب به وهو مقبل ولا يؤمن وهقه ولا انتساف
الفرس واختطاف الفارس بتلك الراكضة.
ولم يفلت من الوهق في جميع الدهر إلا المهلب بن أبي صفرة والحريش بن هلال وعباد بن الحصين.
وربما رمى بالوهق وله فيه تدبير آخر وإن لم يجنب المرمى معه يوهم الجاهل أن ذلك إنما كان لخرق التركي أو لحذق المرمى.
قال: وهم علموا الفرسان حمل قوسين وثلاثة قسي ومن الأوتار على حسب ذلك.
قال: والتركي في حال شدته معه كل شيء يحتاج إليه لنفسه وسلاحه ودابته وأداة دابته.
فأما الصبر على الخبب وعلى مواصلة السفر وعلى طول السُّري وقطع البلاد فعجيبٌ جداً.
فواحدةً: أن فرس الخارجي لا يصبر صبر برذون التركي.
والخارجي
لا يحسن أن يعالج فرسه إلا معالجة الفرسان لخيولهم والتركي أحذق من
البيطار وأجود تقويماً لبرذونه على ما يريده من الراضة وهو استنتجه وهو
رباه فلواً وتتبعه إن سماه وإن ركض ركض خلفه.
وقد عوده ذلك حتى عرفه كما يعرف الفرس أقدم والناقة حل والجمل جاه والبغل عدس والحمار ساسا وكما يعرف المجنون لقبه والصبي اسمه.
ولو حصلت عُمر التركي وحسبت أيامه لوجدت جلوسه على ظهر دابته أكثر من جلوسه على ظهر الأرض.
والتركي
يركب فحلاً أو رمكة ويخرج غازياً أو مسافراً أو متباعداً في طلب صيدٍ أو
سببٍ من الأسباب فتتبعه الرَّمكة وأفلاؤها إن أعياه اصطياد الناس اصطاد
الوحش وإن أخفق منها أو احتاج إلى طعامٍ فصد دابةً من دوابِّه وإن عطش حلب
رمكة من رماكه وإن أراح واحدةً تحته ركب أخرى من غير أن ينزل إلى الأرض.
وليس
في الأرض أحدٌ إلا وبدنه ينتفض على اقتيات اللحم وحده غيره وكذلك دابته
تكتفي بالعنقر والعشب والشجر لا يظُّلها من شمس ولا يكنها من برد.
قال: وأما الصبر على الخبب فإن الثغريين والفرانقيين والخصيان والخوارج لو اجتمعت قواهم في شخصٍ واحد لما وفوا بتركي واحد.
والتركي لا يبقى معه على طول الغاية إلا الصميم من دوابه.
والذي يقتله التركي بإتعابه له وينفيه عند غزاته هو الذي لا معه فرس الخارجي ولا يبقى معه كل برذون بخاري.
ولو ساير خارجياً لاسترغ وسعه قبل أن يبلغ الخارجي عفوه.
هذا كتاب كنت كتبته أيام المعتصم بالله رضي الله عنه فلم يصل إليه لأسبابٍ يطول شرحها فلذلك لم أعرض للإخبار عنها.
وأحببت أن يكون كتاباً قصداً ومذهباً عدلاً ولا يكون كتاب إسراف في مديح قوم وإغراق في هجاء آخرين.
وإن كان الكتاب كذلك شابه الكذب وخالطه التزيد وبنى أساسه على التكلف وخرج كلامه مخرج الاستكراه والتغليق.
وأنفع
المدائح للمادح وأجداها على الممدوح وأبقاها أثراً وأحسنها ذكراً: أن
يكون المديح صدقا وللظاهر من حال الممدوح موافقا وبه لائقا حتى لا يكون من
المعبر عنه والواصف له إلا الإشارة إليه والتنبيه عليه.
وأنا
أقول: إن كان لا يمكن ذلك في مناقب الأتراك إلا بذكر مثالب سائر الأجناد
فترك ذكر الجميع أصوب والإضراب عن هذا الكتاب أحزم وذكر الكثير من هذه
الأصناف بالجميل لا يقوم بالقليل من ذكر بعضهم بالقبيح لأن ذكر الأكثر
بالجميل نافلة وباب من التطوع وذكر الأقل بالقبيح معصية وباب من ترك
الواجب.
وقليل الفريضة أجدى علينا من كثير التطوع.
ولكل نصيب من النقض ومقدار من الذنوب وإنما يتفاضل الناس بكثرة المحاسن وقلة المساوى.
فأما الاشتمال على جميع المحاسن والسلامة من جميع المساوئ دقيقها وجليلها وظاهرها وخفيها فهذا لا يعرف.
ولست
بمستبقٍ أخاً لا تلمه على شعثٍ أيُّ الرجال المهذب وقال حر يش السعدي:
أخ لي كأيام الحياة إخاؤه تلوَّن ألواناً على خطوبها إذا عبت منه خلة
فتركته دعتني إليه خلة لا أعيبها وقال بشار: إذا كنت في كلِّ الأمور
معاتباً خليلك لم تلق الذي لا تعاتبه فعش واحداً أو صل أخاك فإنه مقارف
ذنبٍ مرةً ومجانبه إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ظميت وأيُّ الناس
تصفو مشاربه وقال مطيع بن إياسٍ الَّليثيّ: ولئن كنت لا تصاحب إلا
صاحباً لا تزل ما عاش نعله لم تجده ولو جهدت وأنَّى بالذي لا يكون يوجد
مثله إنما صاحبي الذي يغفر الذَّن ب ويكفيه من أخيه أقله وقال محمد بن
سعيد وهو رجلٌ من الجند: سأشكر عمراً إن تراخت منيتي أيادي لم تمنن وإن
هي جلتِ رأى خلتي من حيث يخفى مكانها فكانت قذى عينيه حتى تجلت فإذا كان
الخلطاء من جمهور الناس وأصحاب المعايش من دهماء الجماعة يرون ذلك واجباً
وتدبيراً في التعامل على ما هم فيه من مشاركة الخطأ للصواب وامتزاج الضعف
بالقوة فلسنا نشك أن الإمام الأكبر والرئيس الأعظم مع الأعراق الكريمة
والأخلاق الرفيعة والتمام في الحلم والعلم والكمال في الحزم والعزم مع
التمكين والقدرة والفضيلة والرِّياسة والسيادة والخصائص التي معه من
التوفيق والعصمة والتأييد وحسن المعونة أن الله جل اسمه لم يكن ليجلله
باسم الخلافة ويحبوَه بتاج الإمامة وبأعظم نعمة وأسبغها وأفضل كرامةٍ
وأسناها ثم وصل طاعته بطاعته ومعصيته بمعصيته إلا ومعه من الحلم في موضع
الحلم والعفو في موضع العفو والتغافل في موضع التغافل ما لا يبلغه فضل ذي
فضلٍ ولا حلم ذي حلمٍ.
ونحن
قائلون ولا حول ولا قوة إلا بالله فيما انتهى إلينا في أمر الأتراك: زعم
محمد بن الجهم وثمامة بن الأشرس والقاسم بن سيار في جماعة ممن يغشى دار
الخلافة وهي دار العامة قالوا جميعاً: بيننا حميد بن عبد الحميد جالساً
ومعه يخشاد الصُّغدي وأبو شجاع شبيب بن بخاراخداي البلخي ويحيى بن معاذ
ورجال من المعدودين المتقدمين في العلم بالحرب من أصحاب التجارب والمراس
وطول المعالجة والمعاناة في صناعات الحرب إذ خرج رسول المأمون فقال لهم:
نقول لكم متفرقين ومجتمعين: ليكتب كل رجلٍ منكم دعواه وحجته وليقل أيما
أحب إلى كل قائد منكم إذا كان في عدته من صحبه وثقاته: أن يلقى مائة
تركي أو مائة خارجي فقال القوم جميعاً: لأن نلقى مائة تركي أحب إلينا من
أن نلقى مائة خارجي! وحميد ساكت.
فلما فرغ القوم جميعاً من حججهم قال الرسول: قد قال القوم فقل واكتب قولك وليكن حجة لك أو عليك.
قال:
بل ألقى مائة خارجي أحب إلي لأنني وجدت الخصال التي يفضل بها الخارجي جميع
المقاتلة غير تامةٍ في الخارجي ووجدتها تامة في التركي.
ففضل التركي على الخارجي بقدر فضل الخارجي على سائر المقاتلة ثم بان التركي عن الخارجي بأمورٍ ليس فيها للخارجي دعوى ولا متعلق.
على أن هذه الأمور التي بان بها التركي عن الخارجي أعظم خطراً وأكثر نفعا مما شاركه الخارجي في بعضها.
ثم
قال حميد: والخصال التي يصول بها الخارجي على سائر الناس صدق الشدة عن
أول وهلة وهي الدفعة التي يبلغون بها ما أرادوا وينالون الذي أملوا.
والثانية:
الصبر على الخبب وعلى طول السُّرى حتى يصبح القوم الذين مرقوا بهم غارين
فيهجموا عليهم وهم بسوء ولحمٌ على وضم يتعجَّلونهم عن الروية وعن رد النفس
عن النزوة والجولة لا يظنون أن أحداً يقطع في ذلك المقدار من الزمان ذلك
المقدار من البلاد.
والثالثة: أن الخارجي موصوف عند الناس بأنه إن طَلب أدرك وإن طُلب فات.
والرابعة:
خفة الأزواد وقلة الأمتعة وأنها تجنب الخيل وتركب البغال وإن احتاجت أمست
بأرضٍ وأصبحت بأخرى وأنهم قوم حين خرجوا لم يخلفوا الأموال الكثيرة
والجنان الملتفة والدور المشيدة ولا ضياعاً ولا مستغلات ولا جواري مطهمات
وأنهم لا سلب لهم ولا مال معهم فيرغب الجند في لقائهم وإنما هم كالطير لا
تدخر ولا تهتم لغدٍ ولها في كل أرض من المياه والأقوات ما تتبَّلغ به وإن
لم تجد ذلك في بعض البلاد فأجنحتها تقرب لها البعيد وتسهل لها الحزون.
وكذلك
الخوارج لا يمتنع عليهم القرى والمطعم وإن تمنع عليهم ففي بنات شحَّاجٍ
وبنات صهَّال وخفة الأثقال على طول الخبب ما يسهل أقواتها ويكثر من
أرزاقها.
والخامسة:
أن الملوك إن أرسلوا إليهم أعدادهم ليكونوا في خفة أوزارهم وأثقالهم
وليقووا على التنقل كقوتهم لم يقووا عليهم لأن مائة من الجند لا يقومون
لمائة من الخوارج وإن كثفوا الجيش بالجيش وضاعفوا العدد بالعدد ثقلوا عن
طلبهم وعن الفوت إن طلبهم عدوهم.
ومتى
شاء الخارجي أن يقرب منهم ليتطرَّفهم أو ليصيب الغرة منهم أو ليسلبهم فعل
ذلك ثقة بأنه يغنم عند الفرصة ورؤية العورة ويمكنه الهرب عند الخوف.
وإن شاء كبسهم ليقطع نظامهم أو ليقتطع القطعة منهم.
قال حميد: فهذه هي مفاخرهم وخصالهم التي لها كره القواد لقاءهم.
قال
قاسم بن سيار: وخصلة أخرى وهي التي رعبت القلوب وخلعتها ونقضت العزائم
وفسختها وهو ما تسمع الأجناد ومقاتلة العوام من ضرب المثل بالخوارج كقول
الشاعر: إذا ما البخيل والمحاذر للقرى رأى الضيف مثل الأزرقيِّ المجفَّف
وكقول الآخر: وقلبِ ودٍّ حال عن عهده والسيف ينبو بيد الشاري وكقول
الآخر: لقاء الأسد أهون من لقاه إذا التحكيم يسهر بالأصل فهذه زيادة
قاسم بن سيار.
فأما
حميد فإنه قال: الشدة الأولى التركي فيها أحمد أثراً وأجمع أمراً وأحكم
شأنا لأن التركي من أجل أن تصدق شدته ويتمكن عزمه ولا يكون مشترك العزم
ولا منقسم الخواطر قد عود برذونه ألا ينثنى وإن ثناه أن يملأ فروجه للأمر
يديره مرة أو مرتين وإلا فإنه لا يدع سننه ولا يقطع ركضه.
وإنما
أراد التركي أن يوئس نفسه من البدوات ومن أن يعتريه التكذيب بعد الاعتزام
لهول اللقاء وحب الحياة لأنه إذا علم أنه قد صيَّر برذونه إلى هذه الغاية
حتى لا ينثني ولا يجيبه إلى التصرف معه إلا بأن يصنع شيئاً بين الصفين فيه
عطبه لم يُقدم على الشدة إلا بعد إحكام الأمر والبصر بالعورة.
وإنما
يريد أن يشبه نفسه بالمُحرج الذي إذا رأى أشد القتال لم يدع جهدا ولم يدخر
حيلة ولينفيَ عن قلبه خواطر الفرار ودواعيَ الرجوع.
وقال: الخارجيُّ عند الشدة إنما يعتمد على الطِّعان والأتراك تطعن طعن
الخوارج وإن شدَّ منهم ألف فارس فرموا رشقاً واحداً صرعوا ألف فارس فما
بقاء جيش على هذا النوع من الشدة! والخوارج والأعراب ليست لهم رماية
مذكورة إلى ظهور الخيل والتركيُّ يرمى الوحش والطي والبرجاس والناس
والمجثَّمة والمثل الموضوعة ويرمى بعشرة أسهم قبل أن يفوق الخارجي سهماً
واحداً ويركض دابته منحدراً من جبل أو مستفلاً إلى بطن واد بأكثر مما يمكن
الخارجي على بسيط الأرض.
وللتركيِّ أربعة أعين: عينان في وجهه وعينان في قفاه.
وللخارجيِّ عيب في مستدبر الحرب وللخرسانيِّ عيبٌ في مستقبل الحرب.
فعيب
الخرسانية أن لها جولة عند أول الالتقاء وإن ركبوا كسأهم كانت هزيمتهم
وكثيراً ما يثوبون وذلك بعد الخطار بالعسكر وإطماع العدوِّ في الشدة.
والخوارج إذا ولوا فقد ولوا وليس لهم بعد الفرِّ كر إلا ما لا يعد.
والتركيُّ
ليست له جولة الخراساني وإذا أدبر فهو السم النافع والحتف القاضي لأنه
يصيب بسهمه وهو مدبرٌ كما يصيب به وهو مقبل ولا يؤمن وهقه ولا انتساف
الفرس واختطاف الفارس بتلك الراكضة.
ولم يفلت من الوهق في جميع الدهر إلا المهلب بن أبي صفرة والحريش بن هلال وعباد بن الحصين.
وربما رمى بالوهق وله فيه تدبير آخر وإن لم يجنب المرمى معه يوهم الجاهل أن ذلك إنما كان لخرق التركي أو لحذق المرمى.
قال: وهم علموا الفرسان حمل قوسين وثلاثة قسي ومن الأوتار على حسب ذلك.
قال: والتركي في حال شدته معه كل شيء يحتاج إليه لنفسه وسلاحه ودابته وأداة دابته.
فأما الصبر على الخبب وعلى مواصلة السفر وعلى طول السُّري وقطع البلاد فعجيبٌ جداً.
فواحدةً: أن فرس الخارجي لا يصبر صبر برذون التركي.
والخارجي
لا يحسن أن يعالج فرسه إلا معالجة الفرسان لخيولهم والتركي أحذق من
البيطار وأجود تقويماً لبرذونه على ما يريده من الراضة وهو استنتجه وهو
رباه فلواً وتتبعه إن سماه وإن ركض ركض خلفه.
وقد عوده ذلك حتى عرفه كما يعرف الفرس أقدم والناقة حل والجمل جاه والبغل عدس والحمار ساسا وكما يعرف المجنون لقبه والصبي اسمه.
ولو حصلت عُمر التركي وحسبت أيامه لوجدت جلوسه على ظهر دابته أكثر من جلوسه على ظهر الأرض.
والتركي
يركب فحلاً أو رمكة ويخرج غازياً أو مسافراً أو متباعداً في طلب صيدٍ أو
سببٍ من الأسباب فتتبعه الرَّمكة وأفلاؤها إن أعياه اصطياد الناس اصطاد
الوحش وإن أخفق منها أو احتاج إلى طعامٍ فصد دابةً من دوابِّه وإن عطش حلب
رمكة من رماكه وإن أراح واحدةً تحته ركب أخرى من غير أن ينزل إلى الأرض.
وليس
في الأرض أحدٌ إلا وبدنه ينتفض على اقتيات اللحم وحده غيره وكذلك دابته
تكتفي بالعنقر والعشب والشجر لا يظُّلها من شمس ولا يكنها من برد.
قال: وأما الصبر على الخبب فإن الثغريين والفرانقيين والخصيان والخوارج لو اجتمعت قواهم في شخصٍ واحد لما وفوا بتركي واحد.
والتركي لا يبقى معه على طول الغاية إلا الصميم من دوابه.
والذي يقتله التركي بإتعابه له وينفيه عند غزاته هو الذي لا معه فرس الخارجي ولا يبقى معه كل برذون بخاري.
ولو ساير خارجياً لاسترغ وسعه قبل أن يبلغ الخارجي عفوه.
Aziz- Üst onbaşı
- عدد الرسائل : 26
تاريخ التسجيل : 23/02/2009
رد: مناقب الترك
والتركي هو الراعي وهو السائس وهو الراكض وهو النخاس وهو البيطار وهو الفارس.
والتركي الواحد أمةٌ على حدة.
قال:
وإذا سار التركي في غير عساكر الترك فسار القوم عشرة أميال سار عشرين
ميلاً لأنه ينقطع عن العسكر يمنةً ويسرة ويسرع في ذرى الجبال ويستبطن قعور
الأودية في طلب الصيد وهو في ذلك يرمي كل ما دب ودرج وطار ووقع.
قال: والتركي لم يسر في العساكر سير الناس قط ولا سار مستقيماً قط.
قالوا:
وإذا طالت الدلجة واشتد السير وبعد المنزل وانتصف النهار واشتد التعب وشغل
الناس الكلال وصمت المتسايرون فلم ينطقوا وقطعهم ما هم فيه عن التشاغل
بالحديث وتفسخ كل شيءٍ من شدة الحر وخمد كل شيء من شدة البرد وتمنى كل
جليد القوى على طول السرى أن تطوى له الأرض وكلما رأى خيالاً أو أبصر
علماً سر به واستبشر وظن أنه قد بلغ المنزل فإذا بلغه الفارس نزل وهو
متفحج كأنه صبيٌّ محقون يئن أنين المريض ويستريح إلى التثاؤب ويتداوى مما
به بالتمطي والتضجع.
وترى
التركي في تلك الحال وقد سار ضعف ما ساروا وقد أتعب منكبيه كثرة النزع يرى
قرب المنزل عيراً أو ظبياً أو عرض له ثعلب أو أرنب خيركض ركض مبتدئ مستأنف
كأن الذي سار ذلك السير وتعب ذلك التعب غيره.
وإن بلغ الناس وادياً فازدحموا على مسلكه أو على قنطرته بطن برذونه فأقحمه ثم طلع من الجانب الآخر كأنه كوكب.
وإن
انتهوا إلى عقبةٍ صعبةٍ ترك السنن وذهب في الجبل صعداً ثم تدلى من موضع
يعجز عنه الوعل وأنت تحسبه مخاطراً بنفسه للذي ترى من مطَّلعه.
ولو كان في كل ذلك مخاطراً لما دامت له السلامة مع تتابع ذلك منه.
قال: ويفخر الخارجي بأنه إذا طلب أدرك وإذا طُلب لم يدرك.
والتركي ليس يحوج إلى أن يفوت لأنه لا يُطلب ولا يرام.
ومن يروم ما لا يطمع فيه! فهذا.
على
أنا قد علمنا العلة التي عمت الخوارج بالنجدة استواء حالتهم في الديانة
واعتقادهم أن القتال دين لأننا حين وجدنا السجستاني والخراساني والجزري
واليمامي والمغربي والعماني والأزرقي منهم والنجدي والإباضي والصفري
والمولى والعربي والعجمي والأعرابي والعبيد والنساء والحائك والفلاح كلهم
يقاتل مع اختلاف الأنساب وتباين البلدان علمنا أن الديانة هي التي سوت
بينهم ووفقت بينهم في ذلك.
كما
أن كل حجامٍ في الأرض من أي جنسٍ كان ومن أي بلدٍ كان فهو يحب النبيذ وكما
أن أصحاب الخلقان والسماكين والنخاسين والحاكة في كل بلد من كل جنس شرار
خلق الله في المبايعة والمعاملة.
فعلمنا بذلك أن ذلك خلقة في هذه الصناعات وبنية في هذه التجارات حين صاروا من بين جميع الناس كذلك.
قال:
ورأينا التركي في بلاده ليس يقاتل على دينٍ ولا على تأويل ولا على ملك ولا
على خراج ولا على عصبية ولا على غيرة دون الحرمة والمحرم ولا على حمية ولا
على عداوة ولا على وطنٍ ومنع دار ولا مال وإنما يقاتل على السلب والخيار
في يده.
وليس يخاف الوعيد إن هرب ولا يرجو الوعد إن أبلى عذرا.
وكذلك هم في بلادهم وغاراتهم وحروبهم.
وهو الطالب غير المطلوب ومن كان كذلك فإنما يأخذ العفو من قوته ولا يحتاج إلى مجهوده.
ثم
هو مع ذلك لا يقوم له شيء ولا يطمع فيه أحد فما ظنك بمن هذه صفته أن لو
اضطره إحراج أو غيرة أو غضب أو تدين أو عرض له بعض ما يصحب المقاتل
المحامي من العلل والأسباب.
قال: وقناة الخارجىّ طويلة صماء وقناة التركيّ مطرد أجوف والقنىُّ المجوفة القصار أشد طعنة وأخف في المحمل.
والعجم تجعل القنى الطوال للرجالة وهي قنى الأبناء على أبواب الخنادق والمضايق.
والأبناء
في هذا الباب لا يجرون مع الأتراك والخراسانية لأن الغالب على الأبناء
المطاعنة على أبواب الخنادق وفي المضايق وهؤلاء أصحاب الخيل والفرسان وعلى
الخيل والفرسان تدور الجيوش لهم الكر والفر.
والفارس هو الذي يطوي الجيش طيَّ السجل ويفرقهم تفريق الشعر.
وليس يكون الكمين إلا منهم ولا الطليعة ولا السَّاقة.
وهم أصحاب الأيام المذكورة والحروب الكبار والفتوح العظام ولا تكون المقانب والكتائب إلا منهم.
ومنهم من يحمل البنود والرايات والطبول والتجافيف والأجراس.
وهم أصحاب الصهيل والقتام وزجر الخيل وقعقة الريح في الثياب والسلاح ووقع الحوافر والإدراك إذا طَلبوا والغوث إذا طُلبوا.
ولم
يجعل النبي صلى الله عليه وسلم للفارس سهمين وللراجل من المقاتلة سهماً
واحداً إلا لتضاعيف الرد في القتل والفتوح والنهبة والمغانم.
ثم قال: ولعمري إن الأبناء من القتال في السكك والسجون والمضايق ما ليس لغيرهم.
ولكن الرجال أبداً أتباعٌ ومأمورون ومنقادون وقائد الرجال لا يكون إلا فارساً وقائد الفرسان من الممتنع أن يكون راجلاً.
ومن
تعود الطعان والضرب والرمي راكباً إن اضطر إلى الطعن والرمي راجلاً كان
على ذاك أدفع على نفسه وأرد عن أصحابه من الراجل إذا احتاج أن يستعمل
سلاحه فارساً.
وعلى أنه ما أكثر ما ينزلون ويقاتلون.
وقد قال الشاعر: لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا وأخو الحرب من أطاق النزولا وقال الضبيُّ: وعلام أركبه إذا لم أنزل.
وقال آخر: فمعانقٌ ومنازل.
وقال حميد: وليس في الأرض قومٌ إلا والتساند في الحروب والإشتراك في الرياسة ضارٌ لهم إلا الأتراك.
على
أن الأتراك لا يتساندون ولا يتشاركون وذلك أن الذي يكره من المساندة
والمشاركة اختلاف الرأي والتنافس في السر والتحاسد بين الأشكال والتواكل
فيما بين المشتركين.
والأتراك
إذا صافوا جيشاً إن كان في القوم موضع عورةٍ فكلهم قد أبصرها وعرفها وإن
لم تكن هناك عورةٌ لم يكن فيهم مطمع وكان الرأي الانصراف فكلهم قد رأى ذلك
الرأي وعرف الصواب فيه.
وخواطرهم واحدة ودواعيهم مستوية بإقبالهم معاً.
وليس هم أصحاب تأويلاتٍ ولا أصحاب تفاخرٍ وتناشدٍ وإنما شأنهم إحكام أمرهم فالاختلاف يقل بينهم.
وكانت الفرس تعيب العرب إذا خرجوا إلى الحرب متساندين وكانت تقول: الاشتراك في الحرب وفي الزوجة وفي الإمرة سواء.
قال حميد: فما ظنك بقومٍ إذا تساندوا لم يضرهم التساند فكيف يكونون إذا تحاسدوا.
فلما
انتهى الخبر إلى المأمون قال: ليست بالترك حاجةٌ إلى حكم حاكم بعد حميد
فإن حميداً قد مارس الفريقين وحميد خراساني وحميد عربي فليس للتهمة عليه
طريق.
قالوا: وأتى الخبر ذا اليمينين طاهر بن الحسين فقال: ما أحسن ما قال حميد.
أما إنه لم يقصر ولم فهذا قول الخليفة المأمون وحكم حميد وتصويب طاهر.
وخبرني
رجلٌ من أهل خراسان أو من بني سدوس قال: سمعت أبا البط يقول: ويلكم
كيف أصنع بفارسٍ يملأ فروج دابته منحدراً من جبل أو مصعداً في مقطعٍ عفير
ويمكنه على ظهر الفرس ما لا يمكن الرقاص الأبلَّىَّ على ظهر الأرض.
قال:
وقال سعيد بن عقبة بن سلمٍ الهنائي وكان ذا رأيٍ في الحرب وابن ذي رأيٍ
فيها: فرق ما بيننا وبين الترك أن الترك لم تغز قوماً قط ولا صافت جيشاً
ولا هجمت على عدو كانوا عرباً أو عجماً فأخرجوا إليهم أعدادهم ولقوهم
بمثلهم.
وليس غايتهم إلا أن ينقادوا ليكفوا عنهم بأسهم ومعرتهم ويصرفوا عنهم كيدهم.
فإن هم امتنعوا من الصلح واعتزموا على الحرب فليس شأنهم والذي يدور عليه أمرهم إلا منع أنفسهم وتحصين عسكرهم والاحتراس منهم.
فأما أن ترقى هممهم وتسمو أنفسهم إلى الاحتيال عليهم والتماس غرتهم فإن هذا شيءٌ لا يخطر على بال من يحاربهم.
ثم قال: وقد عرفتم حيلهم في دخول المدن من جهة حيطانها المصمتة العريضة وحيلتهم في عبور نهر بلخ.
وسعيدٌ هذا هو الذي قال: إذا حاربتم وكنتم ثلاثةً فاجعلوا واحداً مددا وآخر كمينا.
وله
قال سعيد: وأخبرني أبي قال: شهدت أبا الخطاب يزيد بن قتادة بن دعامة
الفقيه وذكر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الترك حيث قال: "
عدوٌّ شديدٌّ طلبه قليلٌ سلبه " فقال رجلٌ من العالية: نهى عمر أبا
زبيدٍ الطائيَّ عن وصف الأسد لأن ذلك مما يزيد في رعب الجبان وفي هول
الجنان ويقل من رغب الشجاع وقد وصف الترك بأشد من وصف أبي زبيدٍ الأسد.
وقال
سعيد في حديثه يومئذٍ وقد قطعت شرذمةٌ منهم بلاد أبي خزيمة - يريد حمزة بن
أدرك الخارجي - وما والي خراسان في بعض الأمر وحمزة في معظم الناس فقال
لأصحابه: أفرجوا لهم ما تركوكم ولا تتعرضوا لهم فإنه قد قيل: تاركوهم
ما تاركوكم.
فهذا قول سعيد بن عقبة ورأيه وحديثه وهو عربي خرساني.
وذكر
يزيد بن مزيد الوقعة التي قتل فيها يولبا التركي الوليد بن طريف الخارجي
فقال في بعض ما يصف من شأن الترك: ليس لبدن التركي على ظهر الدابة ثقل
ولا لمشيه على الأرض وقع وإنه ليرى وهو مدبرٌ ما لا يرى الفارس منا وهو
مقبل.
وهو يرى الفارس منا صيداً ويعد نفسه فهدا ويعده ظبياً ويعد نفسه كلبا.
والله
لو رمى به في قعر بئر مكتوفاً لما أعجزته الحيلة ولولا أن أعمار عامتهم
تقصر دون الجبل - يعني جبل حلوان - ثم هموا بنا لألقوا لنا شغلاً
طويلاً.
هب الدنيا تساق إليك عفواً أليس مصير ذاك إلى زوال قال: أما التركي فلأن ينال الكفاف غصباً أحب إليه من أن ينال الملك عفواً.
ولم يتهن تركيٌّ بطعامٍ إلا أن يكون صيداً او مغنما ولا يعز على ظهر دابته طالباً كان أو مطلوبا.
وقال ثمامة بن أشرس وكان مثل محمد بن الجهم في كثرة ذكره للترك.
قال
ثمامة: التركي لا يخاف إلا مخوفا ولا يطمع في غبر مطمع ولا يكفُّه عن
الطلب إلا اليأس صرفا ولا يدع القليل حتى يصيب أكثر منه وإن قدر أن
يجمعهما لم يفرط في واحدٍ منهما.
والباب
الذي لا يحسنه لا يحسن منه شيئاً والباب الذي يحسنه قد أحكمه بأسره وأمره
وخفيه عنده كظاهره ولا يتشاغل بشيء ولا على نفسه من شيء.
ولولا
أن يجم نفسه بالنوم لما نام على أن نومه مشوبٌ باليقظة ويقظته سليمة من
الوسنة ولو كان في شقهم أنبياء وفي أرضهم حكماء وكانت هذه الخواطر قد مرت
على قلوبهم وقرعت أسماعهم لأنسوك أدب البصريين وحكمة اليونانيين وصنعة أهل
الصين.
وقال
ثمامة: عرض لنا في طريق خراسان تركيٌّ ومعنا قائد يصول بنفسه ورجاله
وبيننا وبين التركي وادٍ فسأله أن يبارزه فارسٌ من القوم فأخرج له رجلاً
لم أرقط أكمل منه ولا أحسن تماماً وقواماً منه فاحتال حتى عبر إليهم
الفارس فتجاولا ساعةً ولا نظن إلا أن صاحبنا يفي بأضعافه وهو في ذلك
يتباعد عنا.
فبينما
هما في ذلك إذ ولى عنه التركي كالهارب منه وفعل ذلك في موضعٍ ظننا أن
صاحبنا قد ظهر عليه وأتبعه الفارس لا نشك إلا أنه سيأتينا برأسه أو يأتينا
به مجنوباً إلى فرسه فلم نشعر إلا وصاحبنا قد أفلت عن فرسه وغاب عنه فنزل
التركي إليه فأخذ سلبه وقتله ثم عارض فرسه فجنبه إليه معه.
قال
ثمامة: ثم رأيت بعد ذلك التركي قد جيء به أسيراً إلى دار الفضل ابن سهل
فقلت له: كيف صنعت يومئذ وكيف طاولته ثم علاك ثم وليت عنه هارباً ثم
قتلته قال: أما إني لو شئت أن أقتله حين عبر وقد كان مقتله بارزاً لي
ولكني احتلت عليه حتى نحيته عن أصحابه لأجوِّزه فلا يحال بيني وبين فرسه
وسلبه.
قال ثمامة: وإذا هو يدير الفارس من سائر الناس ويريغه كيف شاء وأحب.
قال ثمامة: وقد غبرت في أيديهم أسيراً فما رأيت كإكرامهم وتحفهم وألطافهم.
فهذا ثمامة بن أشرس وهو عربي لا يتهم في الإخبار عنهم.
وأنا
أخبرك أني قد رأيت منهم شيئاً عجيباً وأمراً غريباً: رأيت في بعض غزوات
المأمون سماطي خيل على جنبتي الطريق بقرب المنزل مائة فارسٍ من الأتراك في
الجانب الأيمن ومائةٌ من سائر الناس في الجانب الأيسر وإذا هم قد اصطفوا
ينتظرون مجيء المأمون وقد انتصف النهار واشتد الحر.
فورد
عليهم وجمع الأتراك جلوسٌ على ظهور خيولهم إلا ثلاثة أو أربعة وجميع تلك
الأخلاط من الجند قد رموا بنفوسهم إلى الأرض إلا ثلاثة أو أربعة.
فقلت لصاحبٍ لي: انظر أي شيءٍ اتفق لنا.
أشهد أن المعتصم كان أعرف بهم حين جمعهم واصطنعهم.
وأردت
مرة القاطول - وهي المباركة - وأنا خارجٌ من بغداد وأرى فوارس من أهل
خراسان والأبناء وغيرهم من أصناف الجندي قد عار لهم فرس وهم على خيلٍ عتاق
يريغونه فلا يقدرون على أخذه ومر تركيٌ ولم يكن من ذوي هيئاتهم وذوي القدر
منهم وهو على برذونٍ له خسيس وهم على الخيول المطهمة فاعترض الفرس
اعتراضاً وقتله قتلاً وحياً وأتاه من زجره بشيءٍ فوقف أولئك الجند وصاروا
نظارة فقال بعضهم ممن كان يزري على ذلك التركي: هذا وأبيك التكلف
والتعرض: أن فرساً قد أعجزهم وهم أسد البلاد وجاء هذا مع قصر قامته وضعف
دابته فطمع أن يأخذه.
فمى
انقضى كلامه حتى أقبل به ثم سلمه إليهم ومضى لطلبته لم ينتظر ثناءهم ولا
دعاءهم ولا أراهم أنه قد صنع شيئاً أو أتى إليهم معروفاً.
والأتراك
قومٌ لا يعرفون الملق ولا الخلابة ولا النفاق ولا السعاية ولا التصنع
ولاالنميمة ولا الرياء ولا البذخ على الأولياء ولا البغيَ على الخلطاء ولا
يعرفون البدع ولم تفسدهم الأهواء ولايستحلُّون الأموال على التأوُّل وإنما
كان عيبهم والذي يوحش منهم الحنين إلى الأوطان وحبُّ التقلب في البلدان
والصبابة بالغارات والشغف بالنهب وشدة الإلف للعادة مع ما كانوا يتذاكرون
من سرور الظفر وتتابعه وحلاوة المغنم وكثرته وملاعبهم في تلك الصحارى
وتردُّدهم في تلك المروج وألا يذهب بطول الفراغ فضل نجدتهم باطلاً ويصير
حدهم على طول الأيام كليلاً.
ومن حذق شيئاً لم يصبر عنه ومن كره أمراً فر منه.
وإنما
خصوا بالحنين من بين جميع العجم لأن في تركيبهم وأخلاط طبائعهم من تركيب
بلدهم وتربيتهم ومشاكلة مياههم ومناسبة إخوانهم ما ليس مع أحدٍ سواهم.
ألا ترى أنك ترى البصريَّ فلا تدري أبصريٌّ هو أم كوفيٌّ وترى المكيَّ فلا تدري أمكيّ هو أم مدنيّ.
وترى الجبليَّ فلا تدري أجبليٌّ هو أم خراسانيّ وترى الجزريَّ فلا تدري أجزريٌّ هو أم شاميّ.
وأنت لا تغلط في التركيّ ولا تحتاج فيه إلى قيافةٍ ولا إلى فراسة ولا إلى مساءلة.
والتركي الواحد أمةٌ على حدة.
قال:
وإذا سار التركي في غير عساكر الترك فسار القوم عشرة أميال سار عشرين
ميلاً لأنه ينقطع عن العسكر يمنةً ويسرة ويسرع في ذرى الجبال ويستبطن قعور
الأودية في طلب الصيد وهو في ذلك يرمي كل ما دب ودرج وطار ووقع.
قال: والتركي لم يسر في العساكر سير الناس قط ولا سار مستقيماً قط.
قالوا:
وإذا طالت الدلجة واشتد السير وبعد المنزل وانتصف النهار واشتد التعب وشغل
الناس الكلال وصمت المتسايرون فلم ينطقوا وقطعهم ما هم فيه عن التشاغل
بالحديث وتفسخ كل شيءٍ من شدة الحر وخمد كل شيء من شدة البرد وتمنى كل
جليد القوى على طول السرى أن تطوى له الأرض وكلما رأى خيالاً أو أبصر
علماً سر به واستبشر وظن أنه قد بلغ المنزل فإذا بلغه الفارس نزل وهو
متفحج كأنه صبيٌّ محقون يئن أنين المريض ويستريح إلى التثاؤب ويتداوى مما
به بالتمطي والتضجع.
وترى
التركي في تلك الحال وقد سار ضعف ما ساروا وقد أتعب منكبيه كثرة النزع يرى
قرب المنزل عيراً أو ظبياً أو عرض له ثعلب أو أرنب خيركض ركض مبتدئ مستأنف
كأن الذي سار ذلك السير وتعب ذلك التعب غيره.
وإن بلغ الناس وادياً فازدحموا على مسلكه أو على قنطرته بطن برذونه فأقحمه ثم طلع من الجانب الآخر كأنه كوكب.
وإن
انتهوا إلى عقبةٍ صعبةٍ ترك السنن وذهب في الجبل صعداً ثم تدلى من موضع
يعجز عنه الوعل وأنت تحسبه مخاطراً بنفسه للذي ترى من مطَّلعه.
ولو كان في كل ذلك مخاطراً لما دامت له السلامة مع تتابع ذلك منه.
قال: ويفخر الخارجي بأنه إذا طلب أدرك وإذا طُلب لم يدرك.
والتركي ليس يحوج إلى أن يفوت لأنه لا يُطلب ولا يرام.
ومن يروم ما لا يطمع فيه! فهذا.
على
أنا قد علمنا العلة التي عمت الخوارج بالنجدة استواء حالتهم في الديانة
واعتقادهم أن القتال دين لأننا حين وجدنا السجستاني والخراساني والجزري
واليمامي والمغربي والعماني والأزرقي منهم والنجدي والإباضي والصفري
والمولى والعربي والعجمي والأعرابي والعبيد والنساء والحائك والفلاح كلهم
يقاتل مع اختلاف الأنساب وتباين البلدان علمنا أن الديانة هي التي سوت
بينهم ووفقت بينهم في ذلك.
كما
أن كل حجامٍ في الأرض من أي جنسٍ كان ومن أي بلدٍ كان فهو يحب النبيذ وكما
أن أصحاب الخلقان والسماكين والنخاسين والحاكة في كل بلد من كل جنس شرار
خلق الله في المبايعة والمعاملة.
فعلمنا بذلك أن ذلك خلقة في هذه الصناعات وبنية في هذه التجارات حين صاروا من بين جميع الناس كذلك.
قال:
ورأينا التركي في بلاده ليس يقاتل على دينٍ ولا على تأويل ولا على ملك ولا
على خراج ولا على عصبية ولا على غيرة دون الحرمة والمحرم ولا على حمية ولا
على عداوة ولا على وطنٍ ومنع دار ولا مال وإنما يقاتل على السلب والخيار
في يده.
وليس يخاف الوعيد إن هرب ولا يرجو الوعد إن أبلى عذرا.
وكذلك هم في بلادهم وغاراتهم وحروبهم.
وهو الطالب غير المطلوب ومن كان كذلك فإنما يأخذ العفو من قوته ولا يحتاج إلى مجهوده.
ثم
هو مع ذلك لا يقوم له شيء ولا يطمع فيه أحد فما ظنك بمن هذه صفته أن لو
اضطره إحراج أو غيرة أو غضب أو تدين أو عرض له بعض ما يصحب المقاتل
المحامي من العلل والأسباب.
قال: وقناة الخارجىّ طويلة صماء وقناة التركيّ مطرد أجوف والقنىُّ المجوفة القصار أشد طعنة وأخف في المحمل.
والعجم تجعل القنى الطوال للرجالة وهي قنى الأبناء على أبواب الخنادق والمضايق.
والأبناء
في هذا الباب لا يجرون مع الأتراك والخراسانية لأن الغالب على الأبناء
المطاعنة على أبواب الخنادق وفي المضايق وهؤلاء أصحاب الخيل والفرسان وعلى
الخيل والفرسان تدور الجيوش لهم الكر والفر.
والفارس هو الذي يطوي الجيش طيَّ السجل ويفرقهم تفريق الشعر.
وليس يكون الكمين إلا منهم ولا الطليعة ولا السَّاقة.
وهم أصحاب الأيام المذكورة والحروب الكبار والفتوح العظام ولا تكون المقانب والكتائب إلا منهم.
ومنهم من يحمل البنود والرايات والطبول والتجافيف والأجراس.
وهم أصحاب الصهيل والقتام وزجر الخيل وقعقة الريح في الثياب والسلاح ووقع الحوافر والإدراك إذا طَلبوا والغوث إذا طُلبوا.
ولم
يجعل النبي صلى الله عليه وسلم للفارس سهمين وللراجل من المقاتلة سهماً
واحداً إلا لتضاعيف الرد في القتل والفتوح والنهبة والمغانم.
ثم قال: ولعمري إن الأبناء من القتال في السكك والسجون والمضايق ما ليس لغيرهم.
ولكن الرجال أبداً أتباعٌ ومأمورون ومنقادون وقائد الرجال لا يكون إلا فارساً وقائد الفرسان من الممتنع أن يكون راجلاً.
ومن
تعود الطعان والضرب والرمي راكباً إن اضطر إلى الطعن والرمي راجلاً كان
على ذاك أدفع على نفسه وأرد عن أصحابه من الراجل إذا احتاج أن يستعمل
سلاحه فارساً.
وعلى أنه ما أكثر ما ينزلون ويقاتلون.
وقد قال الشاعر: لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا وأخو الحرب من أطاق النزولا وقال الضبيُّ: وعلام أركبه إذا لم أنزل.
وقال آخر: فمعانقٌ ومنازل.
وقال حميد: وليس في الأرض قومٌ إلا والتساند في الحروب والإشتراك في الرياسة ضارٌ لهم إلا الأتراك.
على
أن الأتراك لا يتساندون ولا يتشاركون وذلك أن الذي يكره من المساندة
والمشاركة اختلاف الرأي والتنافس في السر والتحاسد بين الأشكال والتواكل
فيما بين المشتركين.
والأتراك
إذا صافوا جيشاً إن كان في القوم موضع عورةٍ فكلهم قد أبصرها وعرفها وإن
لم تكن هناك عورةٌ لم يكن فيهم مطمع وكان الرأي الانصراف فكلهم قد رأى ذلك
الرأي وعرف الصواب فيه.
وخواطرهم واحدة ودواعيهم مستوية بإقبالهم معاً.
وليس هم أصحاب تأويلاتٍ ولا أصحاب تفاخرٍ وتناشدٍ وإنما شأنهم إحكام أمرهم فالاختلاف يقل بينهم.
وكانت الفرس تعيب العرب إذا خرجوا إلى الحرب متساندين وكانت تقول: الاشتراك في الحرب وفي الزوجة وفي الإمرة سواء.
قال حميد: فما ظنك بقومٍ إذا تساندوا لم يضرهم التساند فكيف يكونون إذا تحاسدوا.
فلما
انتهى الخبر إلى المأمون قال: ليست بالترك حاجةٌ إلى حكم حاكم بعد حميد
فإن حميداً قد مارس الفريقين وحميد خراساني وحميد عربي فليس للتهمة عليه
طريق.
قالوا: وأتى الخبر ذا اليمينين طاهر بن الحسين فقال: ما أحسن ما قال حميد.
أما إنه لم يقصر ولم فهذا قول الخليفة المأمون وحكم حميد وتصويب طاهر.
وخبرني
رجلٌ من أهل خراسان أو من بني سدوس قال: سمعت أبا البط يقول: ويلكم
كيف أصنع بفارسٍ يملأ فروج دابته منحدراً من جبل أو مصعداً في مقطعٍ عفير
ويمكنه على ظهر الفرس ما لا يمكن الرقاص الأبلَّىَّ على ظهر الأرض.
قال:
وقال سعيد بن عقبة بن سلمٍ الهنائي وكان ذا رأيٍ في الحرب وابن ذي رأيٍ
فيها: فرق ما بيننا وبين الترك أن الترك لم تغز قوماً قط ولا صافت جيشاً
ولا هجمت على عدو كانوا عرباً أو عجماً فأخرجوا إليهم أعدادهم ولقوهم
بمثلهم.
وليس غايتهم إلا أن ينقادوا ليكفوا عنهم بأسهم ومعرتهم ويصرفوا عنهم كيدهم.
فإن هم امتنعوا من الصلح واعتزموا على الحرب فليس شأنهم والذي يدور عليه أمرهم إلا منع أنفسهم وتحصين عسكرهم والاحتراس منهم.
فأما أن ترقى هممهم وتسمو أنفسهم إلى الاحتيال عليهم والتماس غرتهم فإن هذا شيءٌ لا يخطر على بال من يحاربهم.
ثم قال: وقد عرفتم حيلهم في دخول المدن من جهة حيطانها المصمتة العريضة وحيلتهم في عبور نهر بلخ.
وسعيدٌ هذا هو الذي قال: إذا حاربتم وكنتم ثلاثةً فاجعلوا واحداً مددا وآخر كمينا.
وله
قال سعيد: وأخبرني أبي قال: شهدت أبا الخطاب يزيد بن قتادة بن دعامة
الفقيه وذكر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الترك حيث قال: "
عدوٌّ شديدٌّ طلبه قليلٌ سلبه " فقال رجلٌ من العالية: نهى عمر أبا
زبيدٍ الطائيَّ عن وصف الأسد لأن ذلك مما يزيد في رعب الجبان وفي هول
الجنان ويقل من رغب الشجاع وقد وصف الترك بأشد من وصف أبي زبيدٍ الأسد.
وقال
سعيد في حديثه يومئذٍ وقد قطعت شرذمةٌ منهم بلاد أبي خزيمة - يريد حمزة بن
أدرك الخارجي - وما والي خراسان في بعض الأمر وحمزة في معظم الناس فقال
لأصحابه: أفرجوا لهم ما تركوكم ولا تتعرضوا لهم فإنه قد قيل: تاركوهم
ما تاركوكم.
فهذا قول سعيد بن عقبة ورأيه وحديثه وهو عربي خرساني.
وذكر
يزيد بن مزيد الوقعة التي قتل فيها يولبا التركي الوليد بن طريف الخارجي
فقال في بعض ما يصف من شأن الترك: ليس لبدن التركي على ظهر الدابة ثقل
ولا لمشيه على الأرض وقع وإنه ليرى وهو مدبرٌ ما لا يرى الفارس منا وهو
مقبل.
وهو يرى الفارس منا صيداً ويعد نفسه فهدا ويعده ظبياً ويعد نفسه كلبا.
والله
لو رمى به في قعر بئر مكتوفاً لما أعجزته الحيلة ولولا أن أعمار عامتهم
تقصر دون الجبل - يعني جبل حلوان - ثم هموا بنا لألقوا لنا شغلاً
طويلاً.
هب الدنيا تساق إليك عفواً أليس مصير ذاك إلى زوال قال: أما التركي فلأن ينال الكفاف غصباً أحب إليه من أن ينال الملك عفواً.
ولم يتهن تركيٌّ بطعامٍ إلا أن يكون صيداً او مغنما ولا يعز على ظهر دابته طالباً كان أو مطلوبا.
وقال ثمامة بن أشرس وكان مثل محمد بن الجهم في كثرة ذكره للترك.
قال
ثمامة: التركي لا يخاف إلا مخوفا ولا يطمع في غبر مطمع ولا يكفُّه عن
الطلب إلا اليأس صرفا ولا يدع القليل حتى يصيب أكثر منه وإن قدر أن
يجمعهما لم يفرط في واحدٍ منهما.
والباب
الذي لا يحسنه لا يحسن منه شيئاً والباب الذي يحسنه قد أحكمه بأسره وأمره
وخفيه عنده كظاهره ولا يتشاغل بشيء ولا على نفسه من شيء.
ولولا
أن يجم نفسه بالنوم لما نام على أن نومه مشوبٌ باليقظة ويقظته سليمة من
الوسنة ولو كان في شقهم أنبياء وفي أرضهم حكماء وكانت هذه الخواطر قد مرت
على قلوبهم وقرعت أسماعهم لأنسوك أدب البصريين وحكمة اليونانيين وصنعة أهل
الصين.
وقال
ثمامة: عرض لنا في طريق خراسان تركيٌّ ومعنا قائد يصول بنفسه ورجاله
وبيننا وبين التركي وادٍ فسأله أن يبارزه فارسٌ من القوم فأخرج له رجلاً
لم أرقط أكمل منه ولا أحسن تماماً وقواماً منه فاحتال حتى عبر إليهم
الفارس فتجاولا ساعةً ولا نظن إلا أن صاحبنا يفي بأضعافه وهو في ذلك
يتباعد عنا.
فبينما
هما في ذلك إذ ولى عنه التركي كالهارب منه وفعل ذلك في موضعٍ ظننا أن
صاحبنا قد ظهر عليه وأتبعه الفارس لا نشك إلا أنه سيأتينا برأسه أو يأتينا
به مجنوباً إلى فرسه فلم نشعر إلا وصاحبنا قد أفلت عن فرسه وغاب عنه فنزل
التركي إليه فأخذ سلبه وقتله ثم عارض فرسه فجنبه إليه معه.
قال
ثمامة: ثم رأيت بعد ذلك التركي قد جيء به أسيراً إلى دار الفضل ابن سهل
فقلت له: كيف صنعت يومئذ وكيف طاولته ثم علاك ثم وليت عنه هارباً ثم
قتلته قال: أما إني لو شئت أن أقتله حين عبر وقد كان مقتله بارزاً لي
ولكني احتلت عليه حتى نحيته عن أصحابه لأجوِّزه فلا يحال بيني وبين فرسه
وسلبه.
قال ثمامة: وإذا هو يدير الفارس من سائر الناس ويريغه كيف شاء وأحب.
قال ثمامة: وقد غبرت في أيديهم أسيراً فما رأيت كإكرامهم وتحفهم وألطافهم.
فهذا ثمامة بن أشرس وهو عربي لا يتهم في الإخبار عنهم.
وأنا
أخبرك أني قد رأيت منهم شيئاً عجيباً وأمراً غريباً: رأيت في بعض غزوات
المأمون سماطي خيل على جنبتي الطريق بقرب المنزل مائة فارسٍ من الأتراك في
الجانب الأيمن ومائةٌ من سائر الناس في الجانب الأيسر وإذا هم قد اصطفوا
ينتظرون مجيء المأمون وقد انتصف النهار واشتد الحر.
فورد
عليهم وجمع الأتراك جلوسٌ على ظهور خيولهم إلا ثلاثة أو أربعة وجميع تلك
الأخلاط من الجند قد رموا بنفوسهم إلى الأرض إلا ثلاثة أو أربعة.
فقلت لصاحبٍ لي: انظر أي شيءٍ اتفق لنا.
أشهد أن المعتصم كان أعرف بهم حين جمعهم واصطنعهم.
وأردت
مرة القاطول - وهي المباركة - وأنا خارجٌ من بغداد وأرى فوارس من أهل
خراسان والأبناء وغيرهم من أصناف الجندي قد عار لهم فرس وهم على خيلٍ عتاق
يريغونه فلا يقدرون على أخذه ومر تركيٌ ولم يكن من ذوي هيئاتهم وذوي القدر
منهم وهو على برذونٍ له خسيس وهم على الخيول المطهمة فاعترض الفرس
اعتراضاً وقتله قتلاً وحياً وأتاه من زجره بشيءٍ فوقف أولئك الجند وصاروا
نظارة فقال بعضهم ممن كان يزري على ذلك التركي: هذا وأبيك التكلف
والتعرض: أن فرساً قد أعجزهم وهم أسد البلاد وجاء هذا مع قصر قامته وضعف
دابته فطمع أن يأخذه.
فمى
انقضى كلامه حتى أقبل به ثم سلمه إليهم ومضى لطلبته لم ينتظر ثناءهم ولا
دعاءهم ولا أراهم أنه قد صنع شيئاً أو أتى إليهم معروفاً.
والأتراك
قومٌ لا يعرفون الملق ولا الخلابة ولا النفاق ولا السعاية ولا التصنع
ولاالنميمة ولا الرياء ولا البذخ على الأولياء ولا البغيَ على الخلطاء ولا
يعرفون البدع ولم تفسدهم الأهواء ولايستحلُّون الأموال على التأوُّل وإنما
كان عيبهم والذي يوحش منهم الحنين إلى الأوطان وحبُّ التقلب في البلدان
والصبابة بالغارات والشغف بالنهب وشدة الإلف للعادة مع ما كانوا يتذاكرون
من سرور الظفر وتتابعه وحلاوة المغنم وكثرته وملاعبهم في تلك الصحارى
وتردُّدهم في تلك المروج وألا يذهب بطول الفراغ فضل نجدتهم باطلاً ويصير
حدهم على طول الأيام كليلاً.
ومن حذق شيئاً لم يصبر عنه ومن كره أمراً فر منه.
وإنما
خصوا بالحنين من بين جميع العجم لأن في تركيبهم وأخلاط طبائعهم من تركيب
بلدهم وتربيتهم ومشاكلة مياههم ومناسبة إخوانهم ما ليس مع أحدٍ سواهم.
ألا ترى أنك ترى البصريَّ فلا تدري أبصريٌّ هو أم كوفيٌّ وترى المكيَّ فلا تدري أمكيّ هو أم مدنيّ.
وترى الجبليَّ فلا تدري أجبليٌّ هو أم خراسانيّ وترى الجزريَّ فلا تدري أجزريٌّ هو أم شاميّ.
وأنت لا تغلط في التركيّ ولا تحتاج فيه إلى قيافةٍ ولا إلى فراسة ولا إلى مساءلة.
Aziz- Üst onbaşı
- عدد الرسائل : 26
تاريخ التسجيل : 23/02/2009
رد: مناقب الترك
ونساؤهم كرجالهم ودوابهم تركيةٌ مثلهم.
وهكذا طبع الله تلك البلدة وقسم لتلك التربة.
وجميع
دور الدنيا ونشوُّها إلى منتهى قواها ومدة أجلها جارية على عللها وعلى
مقدار أسبابها وعلى قدر ما خصها الله تعالى به وأبانها وجعل فيها.
فإذا صاروا إلى دار الجزاء فهي كما قال اللَّه تعالى: " إنا أنشأناهنَّ إنشاءً ".
وكذلك
ترى أبناء العرب والأعراب الذين نزلوا خراسان لا تفصل بين من نزل أبوه
بفرغانة وبين أهل فرغانة ولا ترى بينهم فرقاً في السبال الصهب والجلود
القشرة والأقفاء العظيمة والأكسية الفرغانية.
وكذلك جميع تلك الأرباع لا تفصل بين أبناء النازلة وبين أبناء النابتة.
ومحبة الوطن شيءٌ شامل لجميع الناس وغالب على جميع الجيرة.
ولكن ذاك في الترك أغلب وفيها أرسخ لما معها من خاصة المشاكلة والمناسبة واستواء الشبه وتكافي التركيب.
ألا
ترى أن العبدي يقول: " عمر الله البلدان بحب الأوطان " وأن ابن
الزبير قال: " ليس الناس بشيءٍ من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم " وأن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " لولا تفرق أهواء العباد لما عمَّر
الله البلاد " وأن جمعة الإيادبة قالت: " لولا ما أوصى الله به
العباد من قفر البلاد لما وسعهم وادٍ ولا كفاهم زاد ".
وذكر
قتيبة بن مسلم الترك فقال: " هم والله أحن من الإبل المعقلة إلى
أوطانها " لأن البعير يحن إلى وطنه وعطنه وهو بعمان من ظهر البصرة فهو
يخبط كل شيء ويستبطن كل وادٍ حتى يأتي مكانه على أنه طريقٌ لم يسلكه إلا
مرةً واحدة فلا يزال بالشم والاسترواح وحسن الاستدلال فلذلك ضرب به قتيبة
المثل.
والشح على الوطن والحنين إليه والصبابة به مذكورةٌ في القرآن مخطوطةٌ في الصحف بين جميع الناس.
غير أن التركي للعلل التي ذكرناها أشد حنيناً وأكثر نزوعاً.
وباب
آخر مما كان يدعوهم إلى الرجوع قبل العزم الثابت والعادة المنقودة: وذلك
أن الترك قومٌ يشتد عليهم الحصر والجثوم وطول اللُّبث والمكث وقلة التصرف
والتحرك وأصل بنيتهم إنما وضع على الحركة وليس للسكون فيها نصيب وفي قوى
أنفسهم فضلٌ على قوى أبدانهم وهم أصحاب توقد وحرارة واشتغال وفطنة كثيرةٌ
خواطرهم سريع لحظهم وكان يرون الكفاية معجزة وطول المقام بلادة والراحة
عقلة والقناعة من قصر الهمة وأن ترك الغزو يورث الزلة.
وقد قالت العرب في مثل ذلك: قال عبد الله بن وهبٍ الراسبيَّ: " حب الهوينا يكسب النصب ".
والعرب تقول: " من غلا دماغه في الصيف غلت قدره في الشتاء ".
وقال أكثم بن صيفيَّ: " ما أحب أني مكفيٌ كل أمر الدنيا ".
قيل: ولم قال: " أخاف العجز ".
فهذه كانت علل الترك في حب الرجوع والحنين إلى الوطن.
ومن
أعظم ما كان يدعوهم إلى الشرود ويبعثهم على الرجوع ويكره عندهم المقام ما
كانوا فيه من جهل قوادهم بأقدارهم وقلة معرفتهم بأخطارهم وإغفالهم موضع
الرد عليهم والانتفاع بهم حتى جعلوهم أسوة أجنادهم ولم يقنعوا أن يكونوا
في الحاشية والحشوة وفي غمار العامة ومن عرض العساكر وأنفوا من ذلك
لأنفسهم وذكروا ما يجب لهم ورأوا أن الضيم لا يليق بهم وأن الخمول لا يجوز
عليهم وأنهم في المقام على من لا يعرف حقهم ألوم ممن منعهم حقهم فلما
صادفوا ملكاً حكيماً وبأقدار الناس عليماً لايميل إلى سوءعادةٍ ولايجنح
إلى هوى ولايتعصب لبلد على بلد يدور مع التدبير حيثما دار ويقيم مع الحق
حيثما أقام أقاموا إقامة من قد فهم الحظ ودان بالحق ونبذ العادة وآثر
الحقيقة ورحل نفسه لقطيعة وطنه وآثر الإمام على ملك الجبرية واختار الصواب
على الإلف.
ثم
اعلم بعد هذا كله أن كل أمةٍ وقرنٍ وكل جيلٍ وبني أبٍ وجدتهم قد برعوا في
الصناعات وفضلوا الناس في البيان أو فاقوهم في الآداب وفي تأسيس الملك وفي
البصر بالحرب فإنك لا تجدهم في الغاية وفي أقصى النهاية إلا أن يكون الله
قد سخرهم لذلك المعنى بالأسباب وقصرهم عليه بالعلل التي تقابل تلك الأمور
وتصلح لتلك المعاني لأن من كان متقسم الهوى مشترك الرأي ومتشعب النفس غير
موفر على ذلك الشيء ولا مهيَّأٍ له لم يحذق من تلك الأشياء شيئاً بأسره
ولم يبلغ في غايته كأهل الصين في الصناعات واليونانيين في الحكم والآداب
والعرب فيما نحن فيه ذاكروه في موضعه وآل ساسان في الملك والأتراك في
الحروب.
ألا
ترى أن اليونانيين الذين نظروا في العلل لم يكونوا تجاراً ولا صناعاً
بأكفهم ولا أصحاب زرعٍ ولا فلاحة وبناءٍ وغرسٍ ولاأصحاب جمعٍ ومنعٍ وحرصٍ
وكدٍّ وكانت الملوك تفرغهم وتجري عليهم كفايتهم فنظروا حين نظروا بأنفسٍ
مجتمعة وقوةٍ وافرة وأذهانٍ فارغة حتى استخرجوا الآلات والأدوات والملاهي
التي تكون جماماً للنفس وراحةً بعد الكد وسروراً يداوي قرح الهموم فصنعوا
من المرافق وصاغوا من المنافع كالقرصوطونات والقبانات والأسطرلابات وآلة
الساعات وكالكونيا وكالشيزان والبركار وكأصناف المزامير والمعازف وكالطب
والحساب والهندسة واللحون وآلات الحرب كالمجانيق والعرادات والرتيلات
والدبابات وآلة النفاط وغير ذلك مّما يطول ذكره.
وكانوا
أصحاب حكمة ولم يكونوا فعلة يصورون الآلة ويخرطون الأداة ويصوغون المثل
ولا يحسنون العمل بها ويشيرون إليها ولا يمسونها ويرغبون في العلم ويرغبون
في العمل.
فأما
سكان الصين فهم أصحاب السبك والصياغة والإفراغ والإذابة والأصباغ العجيبة
وأصحاب الخرط والنحت والتصوير والنسخ والخطّ ورفق الكف في كل شيءٍ يتولونه
ويعانونه وإن اختلف جوهره وتباينت صنعته وتفاوت ثمنه.
واليونان يعرفون الفلك لأن أولئك حكماء وهؤلاء فعلة.
وكذلك العرب لم يكونوا تجاراً ولا صناعا ولا أطباء ولا حساباً ولا أصحاب فلاحة فيكونون مهنة ولا أصحاب زرع لخوفهم من صغار الجزية.
ولم
يكونوا أصحاب جمع وكسب ولا أصحاب احتكار لما في أيديهم وطلب ما عند غيرهم
ولا طلبوا المعاش من ألسنة الموازين ورءوس المكاييل ولا عرفوا الدوانيق
والقراريط ولم يفتقروا الفقر المدقع الذي يشغل عن المعرفة ولم يستغنوا
الغني الذي يورث البلدة والثروة التي تحدث الفرَّة ولم يحتملوا ذُلاً قط
فيميت قلوبهم ويصغر عندهم أنفسهم.
وكانوا سكان فيافٍ وتربية العراء لا يعرفون الغمق ولا اللثق ولا البخار ولا الغلط ولا العفن ولا التخم.
أذهان
حداد ونفوس منكرة فحين حملوا حدهم ووجهوا قواهم لقول الشعر وبلاغة المنطق
وتشقيق اللغة وتصاريف الكلام بعد قيافة الأثر وحفظ النسب والاهتداء
بالنجوم والاستدلال بالآفاق وتعرُّف الأنوار والبصر بالخيل والسلاح وآلة
الحرب والحفظ لكل مسموع والاعتبار بكل محسوس وإحكام شأن المثالب والمناقب
بلغوا في ذلك الغاية وحازوا كل أمنية.
وببعض هذه العلل صارت نفوسهم أكبر وهممهم أرفع من جميع الأمم وأفخر ولأيامهم أحفظ وأذكر.
وكذلك الترك أصحاب عمد وسكان فيافٍ وأرباب مواشٍ وهم أعراب العجم كما أن هذيلاً أكراد العرب.
فحين
لم تشغلهم الصناعات والتجارات والطب والفلاحة والهندسة ولا غرسٌ ولا بيانٌ
ولا شقٌّ أنهار ولا جباية غلات ولم يكن هممهم غير الغزو والغارة والصيد
وركوب الخيل ومقارعة الأبطال وطلب الغنائم وتدويخ البلدان وكانت هممهم إلى
ذلك مصروفةً وكانت لهذه المعاني والأسباب مسخرةً ومقصورةً عليها وموصولة
بها أحكموا ذلك الأمر بأسره وأتوا على آخره وصار ذلك هو صناعتهم وتجارتهم
ولذتهم وفخرهم وحديثهم وسمرهم.
فلما
كانوا كذلك صاروا في الحرب كاليونانيين في الحكمة وأهل الصين في الصناعات
والأعراب فيما عددنا ونزلنا وكآل ساسان في الملك والرياسة.
ومما
يستدل به على أنهم قد استقصوا هذا الباب واستغرقوا وبلغوا أقصى غايته
وتعرفوه أن السيف إلى أن يتقلده متقلد أو يضرب به ضارب قد مرَّ على أيدٍ
كثيرة وعلى طبقات من الصناع كل واحدٍ منهم لا يعمل عمل صاحبه ولا يحسنه
ولا يدعيه ولا يتكلفه لأن الذي يذيب حديد السيف ويميعه ويصفيه ويهذبه غير
الذي يمده ويمطله والذي يمده ويمطله غير الذي يطبعه ويسوي متنه ويقيم
خشيبته والذي يطبعه ويسوي متنه غير الذي يسقيه ويرهفه والذي يرهفه غير
الذي يركب قبيعته ويستوثق من سيلانه والذي يعمل مسامير السيلان وشاربي
القبيعة ونصل السيف غير الذي ينحت خشب غمده والذي ينحت خشب غمده غير الذي
يدبغ جلده والذي يدبغ جلده غير الذي يحليه والذي يحليه ويركب نعله غير
الذي يخرز حمائله.
وكذلك السرج وحالات السهم والجعبة والرمح وجميع السلاح مما هو جارحٌ أو جُنَّة.
والتركي
يعمل هذا كله لنفسه من ابتدائه إلى غايته فلا يستعين برفيق ولا يفزع فيه
إلى صديق ولا يختلف إلى صانع ولا يشغل قلبه بمطاله وتسويفه وأكاذيب
مواعيده وبعزم كرائه.
وحين
بلغ أوس بن حجر صفة القانص وبلغ له الغاية في جمعه لأبواب الكفاية بنفسه
قال: قصيٌّ مبيت الليل للصيد مطعم لأسهمه غارٍ وبارٍ وراصفُ وليس أنه
ليس في الأرض تركيٌّ إلا وهو كما وصفنا كما أنه ليس كل يونانيٌّ حكيماً
ولا كل صينيٍّ غايةً في الحذق ولا كل أعرابيٍّ شاعراً قائفا ولكن هذه
الأمور في هؤلاء أعم وأتم وهي فيهم أظهر وأكثر.
قد
قلنا في السبب الذي تكاملت به النجدة والفروسية في الترك دون جميع الأمم
وفي العلل التي من أجلها انتظموا جميع معاني الحرب وهي معانٍ تشتمل على
مذاهب غربية وخصالٍ عجمية.
فمنها: ما يقضي لأهله بالكرم وببعد الهمة وطلب الغاية.
ومنها: ما يدل على الأدب السديد والرأي الأصيل والفطنة الثاقبة والبصيرة النافذة.
ألا ترى أنه ليس بدٌّ لصاحب الحرب من الحلم والعلم والحزم والعزم والصبر والكتمان ومن الثقافة وقلة الغفلة وكثرة التجربة.
ولا بد من البصر بالخيل والسلاح والخبرة بالرجال وبالبلاد والعلم بالمكان والزمان والمكايد وبما فيه صلاح هذه الأمور كلها.
والملك
يحتاج إلى أواخٍ شداد وأسباب متان ومن أتمها سبباً وأعمقها نفعاً ما ثبته
في نصابه وأقره وسكنه في قراره وزاد في تمكنه وبهائه وقطع أسباب المطعمة
فيه ومنع أيدي البغاة من الإشارة إليه فضلاً عن البسط عليه.
قال:
ثم إن الترك عطفت على العرب بالمحاجّة والمقايسة وقالوا: قلتم إن تكن
القرابة مما يستحق بالكفاية فنحن أقدم في الطاعة والود والمناصحة وإن تكن
تستحقّ بالقربة فنحن أقرب قرابةً.
قالوا: والعرب بعد هذا صنفان: عدنان وقحطان.
فأما القحطانيّ فنسبتنا إلى الخلفاء أقرب من نسبتهم ونحن أمس بهم رحماً لأن الخليفة من ولد إسماعيل بن ابراهيم دون قحطان وعابر.
وولد إبراهيم عليه السلام إسماعيل وأمه هاجر وهي قبطية.
وإسحاق وأمه سريانية.
والستة الباقون أمهم قطورا بنت مفطون عربية من العرب العاربة.
وفي قول القحطانية: إنّ أمّنا أشرف في الحسب إذ كانت عربية.
وأربعة من الستة هم الذين وأما قولنا للعدنانيّ فإبراهيم أبونا وإسماعيل عمّنا وقرابتنا من إسماعيل كقرابتكم.
قال الهيثم بن عدىّ: قيل لمبارك التركي وعنده حمّادٌ التركي: إنّكم من مذحج.
قال: ومذحج هذا من هو ذاك وما نعرف إلاّ إبراهيم خليل الله وأمير المؤمنين.
قال
الهيثم: وقد كان سقط إلى بلاد الترك رجلٌ من مذحجٍ فأنسل نسلاً كثيراً
ولذلك قال شاعر الشعوبية للعرب في قصيدة طويلة: زعمتم بأنّ الترك أبناء
مذحجٍ وبينكم قربى وبين البرابر وذالكم نسل ابن ضبة باسلٍ وصوفان أنسال
كثير الجرائر وقال آخر: متى كانت الأتراك أبناء مذبحٍ ألا إن في الدنيا
عجيباً لمن عجب وقد سمعتم ما جاء في سد بني قطورا وشأن خيولهم بنخل السود
وإنما كان الحديث على وجه التهويل والتخويف بهم لجميع الناس فصاروا
للإسلام مادةً وجنداً كثيفاً وللخلفاء وقايةً وموئلاً وجنةً حصينة وشعاراً
دون الدثار.
وفي المأثور من الخبر: " تاركوا الترك ما تاركوكم ".
وهذه وصيةٌ لجميع العرب فإن الرأي متاركتنا ومسالمتنا.
وما ظنكم بقومٍ لم يعرض لهم ذو القرنين.
وبقوله " اتركوهم " سمُّوا الترك.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " هذا عدوٌّ شديدٌ كلبه قليل سلبه ".
فنهى كما ترى عن التعرض لهم بأحسن كناية.
والعرب إذا ضربت المثل في العداوة الشديدة قالوا: ما هم إلا الترك والديلم.
قال عملس بن عقيل بن علفة: تبدلت منه بعد ما شاب مفرقي عداوة تركي وبغض أبي حسل وأبو حسل هو الضَّبّ.
والعرب تقول: " هو أعقُّ من ضبّ " لأنه يأكل أولاده.
ولم يرعب قلوب أجناد العرب مثل الترك.
وقال
خلفٌ الأحمر: كأني حين أرهنهم بنيَّ دفعتهم إلى صهب السبال قال:
وإياهم عني أوسٌ بن حجر: تكّبتها ماءهم لما رأيتهم صهب السبال بأيديهم
بيازير وحدثني إبراهيم بن السندي مولى أمير المؤمنين وكان عالماً بالدولة
شديد الحب لأبناء الدعوة وكان يحوط مواليه ويحفظ أيامهم ويدعو الناس إلى
طاعتهم ويدرسهم مناقبهم وكان فخم المعاني فخم الألفاظ لو قلت لسانه كان
أردَّ على هذا الملك من عشرة آلاف سيفٍ شهير وسنانٍ طريرٍ لكان ذلك قولاً
ومذهباً.
قال:
حدثني عبد الملك بن صالح عن أبيه صالح بن علي أن خاقان ملك الترك واقف
مرةالجنيد بن عبد الرحمن أمير خراسان وقد كان الجنيد هاله أمره وأفزعه
شأنه وتعاظمه جموعه وجمعه وبعل به وفطن به خاقان وعرف ما قد وقع فيه فأرسل
إليه: " إني لم أقف هذا الموقف وأمسك هذا الإمساك وأنا أريد مكروهاً
فلا ترع.
ولو كنت أريد غلبةً أو مكروهاً لقد كنت انتسفت عسكرك انتسافاً أعجلك فيه عن الروية وقد أبصرت موقع العورة.
ولولا أن تعرف هذه المكيدة فتعود بها على غيري من الأتراك لعرَّفتك موضع الانتشار والخلل والخطأ في عسكرك وتعبيتك.
وقد
بلغني أنك رجلٌ عاقل وأن لك شرفاً في بيتك وفضلاً في نفسك وعلماً بدينك
وقد أحببت أن أسأل عن شيءٍ من أحكامهم لأعرف به مذهبكم فاخرج إليَّ في
خاصتك لأخرج إليك وحدي وأسائلك عما أحتاج إليه بنفسي.
ولا تحتفل ولا تحترس فليس مثلي من غدر وليس مثلي يؤمن من نفسه ومن مكره وكيده ثم ينكث بوعده.
وهكذا طبع الله تلك البلدة وقسم لتلك التربة.
وجميع
دور الدنيا ونشوُّها إلى منتهى قواها ومدة أجلها جارية على عللها وعلى
مقدار أسبابها وعلى قدر ما خصها الله تعالى به وأبانها وجعل فيها.
فإذا صاروا إلى دار الجزاء فهي كما قال اللَّه تعالى: " إنا أنشأناهنَّ إنشاءً ".
وكذلك
ترى أبناء العرب والأعراب الذين نزلوا خراسان لا تفصل بين من نزل أبوه
بفرغانة وبين أهل فرغانة ولا ترى بينهم فرقاً في السبال الصهب والجلود
القشرة والأقفاء العظيمة والأكسية الفرغانية.
وكذلك جميع تلك الأرباع لا تفصل بين أبناء النازلة وبين أبناء النابتة.
ومحبة الوطن شيءٌ شامل لجميع الناس وغالب على جميع الجيرة.
ولكن ذاك في الترك أغلب وفيها أرسخ لما معها من خاصة المشاكلة والمناسبة واستواء الشبه وتكافي التركيب.
ألا
ترى أن العبدي يقول: " عمر الله البلدان بحب الأوطان " وأن ابن
الزبير قال: " ليس الناس بشيءٍ من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم " وأن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " لولا تفرق أهواء العباد لما عمَّر
الله البلاد " وأن جمعة الإيادبة قالت: " لولا ما أوصى الله به
العباد من قفر البلاد لما وسعهم وادٍ ولا كفاهم زاد ".
وذكر
قتيبة بن مسلم الترك فقال: " هم والله أحن من الإبل المعقلة إلى
أوطانها " لأن البعير يحن إلى وطنه وعطنه وهو بعمان من ظهر البصرة فهو
يخبط كل شيء ويستبطن كل وادٍ حتى يأتي مكانه على أنه طريقٌ لم يسلكه إلا
مرةً واحدة فلا يزال بالشم والاسترواح وحسن الاستدلال فلذلك ضرب به قتيبة
المثل.
والشح على الوطن والحنين إليه والصبابة به مذكورةٌ في القرآن مخطوطةٌ في الصحف بين جميع الناس.
غير أن التركي للعلل التي ذكرناها أشد حنيناً وأكثر نزوعاً.
وباب
آخر مما كان يدعوهم إلى الرجوع قبل العزم الثابت والعادة المنقودة: وذلك
أن الترك قومٌ يشتد عليهم الحصر والجثوم وطول اللُّبث والمكث وقلة التصرف
والتحرك وأصل بنيتهم إنما وضع على الحركة وليس للسكون فيها نصيب وفي قوى
أنفسهم فضلٌ على قوى أبدانهم وهم أصحاب توقد وحرارة واشتغال وفطنة كثيرةٌ
خواطرهم سريع لحظهم وكان يرون الكفاية معجزة وطول المقام بلادة والراحة
عقلة والقناعة من قصر الهمة وأن ترك الغزو يورث الزلة.
وقد قالت العرب في مثل ذلك: قال عبد الله بن وهبٍ الراسبيَّ: " حب الهوينا يكسب النصب ".
والعرب تقول: " من غلا دماغه في الصيف غلت قدره في الشتاء ".
وقال أكثم بن صيفيَّ: " ما أحب أني مكفيٌ كل أمر الدنيا ".
قيل: ولم قال: " أخاف العجز ".
فهذه كانت علل الترك في حب الرجوع والحنين إلى الوطن.
ومن
أعظم ما كان يدعوهم إلى الشرود ويبعثهم على الرجوع ويكره عندهم المقام ما
كانوا فيه من جهل قوادهم بأقدارهم وقلة معرفتهم بأخطارهم وإغفالهم موضع
الرد عليهم والانتفاع بهم حتى جعلوهم أسوة أجنادهم ولم يقنعوا أن يكونوا
في الحاشية والحشوة وفي غمار العامة ومن عرض العساكر وأنفوا من ذلك
لأنفسهم وذكروا ما يجب لهم ورأوا أن الضيم لا يليق بهم وأن الخمول لا يجوز
عليهم وأنهم في المقام على من لا يعرف حقهم ألوم ممن منعهم حقهم فلما
صادفوا ملكاً حكيماً وبأقدار الناس عليماً لايميل إلى سوءعادةٍ ولايجنح
إلى هوى ولايتعصب لبلد على بلد يدور مع التدبير حيثما دار ويقيم مع الحق
حيثما أقام أقاموا إقامة من قد فهم الحظ ودان بالحق ونبذ العادة وآثر
الحقيقة ورحل نفسه لقطيعة وطنه وآثر الإمام على ملك الجبرية واختار الصواب
على الإلف.
ثم
اعلم بعد هذا كله أن كل أمةٍ وقرنٍ وكل جيلٍ وبني أبٍ وجدتهم قد برعوا في
الصناعات وفضلوا الناس في البيان أو فاقوهم في الآداب وفي تأسيس الملك وفي
البصر بالحرب فإنك لا تجدهم في الغاية وفي أقصى النهاية إلا أن يكون الله
قد سخرهم لذلك المعنى بالأسباب وقصرهم عليه بالعلل التي تقابل تلك الأمور
وتصلح لتلك المعاني لأن من كان متقسم الهوى مشترك الرأي ومتشعب النفس غير
موفر على ذلك الشيء ولا مهيَّأٍ له لم يحذق من تلك الأشياء شيئاً بأسره
ولم يبلغ في غايته كأهل الصين في الصناعات واليونانيين في الحكم والآداب
والعرب فيما نحن فيه ذاكروه في موضعه وآل ساسان في الملك والأتراك في
الحروب.
ألا
ترى أن اليونانيين الذين نظروا في العلل لم يكونوا تجاراً ولا صناعاً
بأكفهم ولا أصحاب زرعٍ ولا فلاحة وبناءٍ وغرسٍ ولاأصحاب جمعٍ ومنعٍ وحرصٍ
وكدٍّ وكانت الملوك تفرغهم وتجري عليهم كفايتهم فنظروا حين نظروا بأنفسٍ
مجتمعة وقوةٍ وافرة وأذهانٍ فارغة حتى استخرجوا الآلات والأدوات والملاهي
التي تكون جماماً للنفس وراحةً بعد الكد وسروراً يداوي قرح الهموم فصنعوا
من المرافق وصاغوا من المنافع كالقرصوطونات والقبانات والأسطرلابات وآلة
الساعات وكالكونيا وكالشيزان والبركار وكأصناف المزامير والمعازف وكالطب
والحساب والهندسة واللحون وآلات الحرب كالمجانيق والعرادات والرتيلات
والدبابات وآلة النفاط وغير ذلك مّما يطول ذكره.
وكانوا
أصحاب حكمة ولم يكونوا فعلة يصورون الآلة ويخرطون الأداة ويصوغون المثل
ولا يحسنون العمل بها ويشيرون إليها ولا يمسونها ويرغبون في العلم ويرغبون
في العمل.
فأما
سكان الصين فهم أصحاب السبك والصياغة والإفراغ والإذابة والأصباغ العجيبة
وأصحاب الخرط والنحت والتصوير والنسخ والخطّ ورفق الكف في كل شيءٍ يتولونه
ويعانونه وإن اختلف جوهره وتباينت صنعته وتفاوت ثمنه.
واليونان يعرفون الفلك لأن أولئك حكماء وهؤلاء فعلة.
وكذلك العرب لم يكونوا تجاراً ولا صناعا ولا أطباء ولا حساباً ولا أصحاب فلاحة فيكونون مهنة ولا أصحاب زرع لخوفهم من صغار الجزية.
ولم
يكونوا أصحاب جمع وكسب ولا أصحاب احتكار لما في أيديهم وطلب ما عند غيرهم
ولا طلبوا المعاش من ألسنة الموازين ورءوس المكاييل ولا عرفوا الدوانيق
والقراريط ولم يفتقروا الفقر المدقع الذي يشغل عن المعرفة ولم يستغنوا
الغني الذي يورث البلدة والثروة التي تحدث الفرَّة ولم يحتملوا ذُلاً قط
فيميت قلوبهم ويصغر عندهم أنفسهم.
وكانوا سكان فيافٍ وتربية العراء لا يعرفون الغمق ولا اللثق ولا البخار ولا الغلط ولا العفن ولا التخم.
أذهان
حداد ونفوس منكرة فحين حملوا حدهم ووجهوا قواهم لقول الشعر وبلاغة المنطق
وتشقيق اللغة وتصاريف الكلام بعد قيافة الأثر وحفظ النسب والاهتداء
بالنجوم والاستدلال بالآفاق وتعرُّف الأنوار والبصر بالخيل والسلاح وآلة
الحرب والحفظ لكل مسموع والاعتبار بكل محسوس وإحكام شأن المثالب والمناقب
بلغوا في ذلك الغاية وحازوا كل أمنية.
وببعض هذه العلل صارت نفوسهم أكبر وهممهم أرفع من جميع الأمم وأفخر ولأيامهم أحفظ وأذكر.
وكذلك الترك أصحاب عمد وسكان فيافٍ وأرباب مواشٍ وهم أعراب العجم كما أن هذيلاً أكراد العرب.
فحين
لم تشغلهم الصناعات والتجارات والطب والفلاحة والهندسة ولا غرسٌ ولا بيانٌ
ولا شقٌّ أنهار ولا جباية غلات ولم يكن هممهم غير الغزو والغارة والصيد
وركوب الخيل ومقارعة الأبطال وطلب الغنائم وتدويخ البلدان وكانت هممهم إلى
ذلك مصروفةً وكانت لهذه المعاني والأسباب مسخرةً ومقصورةً عليها وموصولة
بها أحكموا ذلك الأمر بأسره وأتوا على آخره وصار ذلك هو صناعتهم وتجارتهم
ولذتهم وفخرهم وحديثهم وسمرهم.
فلما
كانوا كذلك صاروا في الحرب كاليونانيين في الحكمة وأهل الصين في الصناعات
والأعراب فيما عددنا ونزلنا وكآل ساسان في الملك والرياسة.
ومما
يستدل به على أنهم قد استقصوا هذا الباب واستغرقوا وبلغوا أقصى غايته
وتعرفوه أن السيف إلى أن يتقلده متقلد أو يضرب به ضارب قد مرَّ على أيدٍ
كثيرة وعلى طبقات من الصناع كل واحدٍ منهم لا يعمل عمل صاحبه ولا يحسنه
ولا يدعيه ولا يتكلفه لأن الذي يذيب حديد السيف ويميعه ويصفيه ويهذبه غير
الذي يمده ويمطله والذي يمده ويمطله غير الذي يطبعه ويسوي متنه ويقيم
خشيبته والذي يطبعه ويسوي متنه غير الذي يسقيه ويرهفه والذي يرهفه غير
الذي يركب قبيعته ويستوثق من سيلانه والذي يعمل مسامير السيلان وشاربي
القبيعة ونصل السيف غير الذي ينحت خشب غمده والذي ينحت خشب غمده غير الذي
يدبغ جلده والذي يدبغ جلده غير الذي يحليه والذي يحليه ويركب نعله غير
الذي يخرز حمائله.
وكذلك السرج وحالات السهم والجعبة والرمح وجميع السلاح مما هو جارحٌ أو جُنَّة.
والتركي
يعمل هذا كله لنفسه من ابتدائه إلى غايته فلا يستعين برفيق ولا يفزع فيه
إلى صديق ولا يختلف إلى صانع ولا يشغل قلبه بمطاله وتسويفه وأكاذيب
مواعيده وبعزم كرائه.
وحين
بلغ أوس بن حجر صفة القانص وبلغ له الغاية في جمعه لأبواب الكفاية بنفسه
قال: قصيٌّ مبيت الليل للصيد مطعم لأسهمه غارٍ وبارٍ وراصفُ وليس أنه
ليس في الأرض تركيٌّ إلا وهو كما وصفنا كما أنه ليس كل يونانيٌّ حكيماً
ولا كل صينيٍّ غايةً في الحذق ولا كل أعرابيٍّ شاعراً قائفا ولكن هذه
الأمور في هؤلاء أعم وأتم وهي فيهم أظهر وأكثر.
قد
قلنا في السبب الذي تكاملت به النجدة والفروسية في الترك دون جميع الأمم
وفي العلل التي من أجلها انتظموا جميع معاني الحرب وهي معانٍ تشتمل على
مذاهب غربية وخصالٍ عجمية.
فمنها: ما يقضي لأهله بالكرم وببعد الهمة وطلب الغاية.
ومنها: ما يدل على الأدب السديد والرأي الأصيل والفطنة الثاقبة والبصيرة النافذة.
ألا ترى أنه ليس بدٌّ لصاحب الحرب من الحلم والعلم والحزم والعزم والصبر والكتمان ومن الثقافة وقلة الغفلة وكثرة التجربة.
ولا بد من البصر بالخيل والسلاح والخبرة بالرجال وبالبلاد والعلم بالمكان والزمان والمكايد وبما فيه صلاح هذه الأمور كلها.
والملك
يحتاج إلى أواخٍ شداد وأسباب متان ومن أتمها سبباً وأعمقها نفعاً ما ثبته
في نصابه وأقره وسكنه في قراره وزاد في تمكنه وبهائه وقطع أسباب المطعمة
فيه ومنع أيدي البغاة من الإشارة إليه فضلاً عن البسط عليه.
قال:
ثم إن الترك عطفت على العرب بالمحاجّة والمقايسة وقالوا: قلتم إن تكن
القرابة مما يستحق بالكفاية فنحن أقدم في الطاعة والود والمناصحة وإن تكن
تستحقّ بالقربة فنحن أقرب قرابةً.
قالوا: والعرب بعد هذا صنفان: عدنان وقحطان.
فأما القحطانيّ فنسبتنا إلى الخلفاء أقرب من نسبتهم ونحن أمس بهم رحماً لأن الخليفة من ولد إسماعيل بن ابراهيم دون قحطان وعابر.
وولد إبراهيم عليه السلام إسماعيل وأمه هاجر وهي قبطية.
وإسحاق وأمه سريانية.
والستة الباقون أمهم قطورا بنت مفطون عربية من العرب العاربة.
وفي قول القحطانية: إنّ أمّنا أشرف في الحسب إذ كانت عربية.
وأربعة من الستة هم الذين وأما قولنا للعدنانيّ فإبراهيم أبونا وإسماعيل عمّنا وقرابتنا من إسماعيل كقرابتكم.
قال الهيثم بن عدىّ: قيل لمبارك التركي وعنده حمّادٌ التركي: إنّكم من مذحج.
قال: ومذحج هذا من هو ذاك وما نعرف إلاّ إبراهيم خليل الله وأمير المؤمنين.
قال
الهيثم: وقد كان سقط إلى بلاد الترك رجلٌ من مذحجٍ فأنسل نسلاً كثيراً
ولذلك قال شاعر الشعوبية للعرب في قصيدة طويلة: زعمتم بأنّ الترك أبناء
مذحجٍ وبينكم قربى وبين البرابر وذالكم نسل ابن ضبة باسلٍ وصوفان أنسال
كثير الجرائر وقال آخر: متى كانت الأتراك أبناء مذبحٍ ألا إن في الدنيا
عجيباً لمن عجب وقد سمعتم ما جاء في سد بني قطورا وشأن خيولهم بنخل السود
وإنما كان الحديث على وجه التهويل والتخويف بهم لجميع الناس فصاروا
للإسلام مادةً وجنداً كثيفاً وللخلفاء وقايةً وموئلاً وجنةً حصينة وشعاراً
دون الدثار.
وفي المأثور من الخبر: " تاركوا الترك ما تاركوكم ".
وهذه وصيةٌ لجميع العرب فإن الرأي متاركتنا ومسالمتنا.
وما ظنكم بقومٍ لم يعرض لهم ذو القرنين.
وبقوله " اتركوهم " سمُّوا الترك.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " هذا عدوٌّ شديدٌ كلبه قليل سلبه ".
فنهى كما ترى عن التعرض لهم بأحسن كناية.
والعرب إذا ضربت المثل في العداوة الشديدة قالوا: ما هم إلا الترك والديلم.
قال عملس بن عقيل بن علفة: تبدلت منه بعد ما شاب مفرقي عداوة تركي وبغض أبي حسل وأبو حسل هو الضَّبّ.
والعرب تقول: " هو أعقُّ من ضبّ " لأنه يأكل أولاده.
ولم يرعب قلوب أجناد العرب مثل الترك.
وقال
خلفٌ الأحمر: كأني حين أرهنهم بنيَّ دفعتهم إلى صهب السبال قال:
وإياهم عني أوسٌ بن حجر: تكّبتها ماءهم لما رأيتهم صهب السبال بأيديهم
بيازير وحدثني إبراهيم بن السندي مولى أمير المؤمنين وكان عالماً بالدولة
شديد الحب لأبناء الدعوة وكان يحوط مواليه ويحفظ أيامهم ويدعو الناس إلى
طاعتهم ويدرسهم مناقبهم وكان فخم المعاني فخم الألفاظ لو قلت لسانه كان
أردَّ على هذا الملك من عشرة آلاف سيفٍ شهير وسنانٍ طريرٍ لكان ذلك قولاً
ومذهباً.
قال:
حدثني عبد الملك بن صالح عن أبيه صالح بن علي أن خاقان ملك الترك واقف
مرةالجنيد بن عبد الرحمن أمير خراسان وقد كان الجنيد هاله أمره وأفزعه
شأنه وتعاظمه جموعه وجمعه وبعل به وفطن به خاقان وعرف ما قد وقع فيه فأرسل
إليه: " إني لم أقف هذا الموقف وأمسك هذا الإمساك وأنا أريد مكروهاً
فلا ترع.
ولو كنت أريد غلبةً أو مكروهاً لقد كنت انتسفت عسكرك انتسافاً أعجلك فيه عن الروية وقد أبصرت موقع العورة.
ولولا أن تعرف هذه المكيدة فتعود بها على غيري من الأتراك لعرَّفتك موضع الانتشار والخلل والخطأ في عسكرك وتعبيتك.
وقد
بلغني أنك رجلٌ عاقل وأن لك شرفاً في بيتك وفضلاً في نفسك وعلماً بدينك
وقد أحببت أن أسأل عن شيءٍ من أحكامهم لأعرف به مذهبكم فاخرج إليَّ في
خاصتك لأخرج إليك وحدي وأسائلك عما أحتاج إليه بنفسي.
ولا تحتفل ولا تحترس فليس مثلي من غدر وليس مثلي يؤمن من نفسه ومن مكره وكيده ثم ينكث بوعده.
Aziz- Üst onbaşı
- عدد الرسائل : 26
تاريخ التسجيل : 23/02/2009
رد: مناقب الترك
ونحن قومٌ لا نخدع بالعمل ولا نستحسن الخديعة إلا في الحرب ولو استقام أمر الحرب بغير خديعة لما جوَّزنا ذلك بأنفسنا ".
فأبى الجنيد أن يخرج إليه إلا وحده ففصلا من الصفوف.
وقال: سل عما أحببت فإن كان عندي جوابٌ أرضاه أجبتك وإلا أشرت عليك بمن هو أبصر بذلك مني.
قال
الجنيد: الزاني عندنا رجلان: رجلٌ دفعنا إليه امرأةً تغنيه عن حرم
الناس وتكفه عن حرم الجيران ورجلٌ لم نعطه ذلك ولم نحل بينه وبين أن يفعل
ذلك لنفسه.
فأما
الذي لا زوجة له فإن نجلده مائة جلدة ونحضر ذلك الجماعة من الناس لنشهره
ونحذره به ونغربه في البلدان لنزيد من شهرته وفي التحذير منه ولينزجر بذلك
كل من كان يهم بمثل عمله.
فاما الذي قد أغنيناه فإنا نرجمه بالجندل حتى نقتله.
قال:
حسن جميلٌ وتدبيرٌ كبير فما قولكم في الذي يقذف عفيفاً بالزنى قال: يجلد
ثمانين جلدة ولا نقبل له شهادةً ولا نصدق له حديثاً.
قال:
حسنٌ جميلٌ وتدبيرٌ كبير فما حكمكم في السارق قال: السارق عندنا
رجلان: رجلٌ يحتال لما قد أحرزه الناس من أموالهم حتى يأخذها بنقب
حيطانهم وبالتسلق من أعالي دورهم فهذا نقطع يده التي سرق بها ونقب بها
واعتمد عليها.
ورجلٌ
آخر يخيف السبيل ويقطع الطريق ويكايد على الأموال ويشهر السلاح فإن منعه
صاحب المتاع قتله فهذا نقتله ونصلبه على المناهج والطرق.
قال: حسنٌ جميلٌ وتدبيرٌ كبير.
قال:
فما حكمكم في الغاصب والمستلب قال: كلُّ ما فيه الشبهة ويجوز فيه الغلط
والوجوه كالغصب والاستلاب والجناية والسرقة لما قال: حسنٌ جميلٌ وتدبيرٌ
كبير.
قال: فما حكمكم في القاتل وقاطع الأذن والأنف قال: النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف.
وإن قتل رجلاً عشرةٌ قتلناهم.
ونقتل القويَّ البدن بالضعيف البدن وكذلك اليد والرِّجل.
قال: حسنٌ جميلٌ وتدبيرٌ كبير.
قال: فما تقولون في الكذاب والنمام والضراط.
قال: عندنا فيهم الإقصاء لهم وإبعادهم وإهانتهم ولا نقبل شهادتهم ولا نصدق أحكامهم.
قال: وليس إلا هذا قال: هذا جوابنا على ديننا.
قال له: أما النمام عندي هو الذي يُضرِّب بين الناس فإني أحبسه في مكانٍ لا يرى فيه أحداً.
وأما الضراط فإني أكوي أسته وأعاقب ذلك المكان فيه.
وأما
الكذاب فإني أقطع الجارح التي بها يكذب كما قطعتم اليد التي بها يسرق وأما
الذي يضحك الناس ويعودهم السخف فإني أخرجه من سلطانه وأصلح بإخراجه عقول
رعيتي.
قال:
فقال الجنيد بن عبد الرحمن: أنتم قومٌ تردون أحكامكم إلى جواز العقول
وإلى ما يحسن في ظاهر الرأي ونحن قومٌ نتبع الأنبياء ونرى أنْ لم نصلح على
تدبير العباد.
وذلك
أن الله تعالى أعلم بغيب المصالح وسر الأمروحقائقه ومحصوله وعواقبه والناس
لا يعلمون ولا يرون الحزم إلا قال: ما قلت كلاماً أشرف من هذا ولقد
ألقيت لي في فكراً طويلاً.
قال إبراهيم: قال عبد الملك: قال صالح: قال الجنيد: فلم أرى أوفى ولا أنصف ولا أفهم ولا أذكى منه.
ولقد واقفته ثلاث ساعاتٍ من النهار وما تحرك منه شيءٌ إلا لسانه وما مني شيء لم أحركه.
وهكذا
يصفون ملوك الترك يزعمون أن ساسان وخاقان الأكبر تواقفا ببعض الكسور
وفصلاً من الصفين وطالت المناجاة فلما انفتلا قالوا: كان خاقان أركن
وأدب وكان مركب كِسرى أركن وأدب ولم يتحرك من خاقان إلا لسانه وكان برذونه
يرفع قائمةً ويضع أخرى وكان مركب كسرى كأنما صبّ صبا وكان كسرى يحرك رأسه
ويشير بيده.
قالوا: ومن الأعاجيب أن الحارث بن كعب لا يقوم لحزم وحزم لا تقوم لكندة وكندة لا تقوم للحارث بن كعب.
قالوا: ومثل ذلك من الأعاجيب في الحارث: أنّ العرب لا تقوم للترك والترك لا تقوم للروم والروم لا تقوم للعرب.
قال
جهم بن صفوان الترمذي: قد عرفنا ما كان بين فارس والترك من الحرب حتى
تزوج كسرى أبرويز خانتون بنت خاقان يستميله بذلك الصهر ويدفع بأسه عنه.
وقد
عرفنا الحروب التي كانت بين فارس والروم وكيف تساجلوا الظفر وبأي سببٍ غرس
الزيتون بالمدائن وسوسا وبأي سببٍ بنيت الرومية ولم سميت بذلك ولم بنى
كسرى على الخليج قبالة قسطنطينية النواويس وبيوت النار.
ولكن متى ظهرت الروم على ترك خرسان ظهوراً موالياً ضربوا بها المثل إلى آخر دارمسه ومن الأشباه ومن يتخلل هذا النسب.
وكانت خانتون بنت خاقان عند أبرويز فولدت له شيرويه.
وقد ملك شيرويه بعد أبرويز فتزوج شيرويه مريم بنت قيصر فولدت له فيروزاشاهى أم يزيد الناقص والوليد.
وكان يقول: ولدني أربعة أملاك: كسرى وخاقان وقيصر ومروان.
وكان
يرتجز في حروبه التي قتل فيها الوليد بن يزيد بن عاتكة: أنا ابن كسرى
وأبي خاقان وقيصرٌ جدي وجدي مروان فلما صار إلى الافتخار في شعره بالنجدة
والثقافة بالحرب لم يفخر إلا بخاقان فقط فقال: فإن كنت أرمى مقبلاً ثم
مدبرا وأطلع من طودٍ زليق على مهر فخاقان جدى فاعرفى ذاك واذكرى أخابيره
فى السهل والجبل الوعر قوله " وأطلع " يريد: وأنزل وهى لغة أهل
الشام وأخذوها من نازلة العرب في أول الدهر.
وجعل دابته مهراً لأن ذلك أشد وأشق.
وقال
الفضل بن العباس بن رزين: أتانا ذات يوم فرسانٌ من الترك فلم يبق أحد
ممن كان خارجاً إلا دخل حصنه وأغلق بابه وأحاطوا بحصن من ذلك الحصون وأبصر
فارسٌ منهم شيخاً يطلع إليهم من فوق فقال له التركي: لئن لم تنزل إلي
لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحدا! قال: فنزل إليه وفتح له الباب ودخلوا
الحصن واكتسحوا كل شيء فيه فضحك من نزوله إليه وفتحه له وهو في أحصن موضع
وأمنع مكان ثم أقبل به إلى حصن أنا فيه فقال: اشتروه مني.
قلنا: لا حاجة لنا في ذلك.
قال: فإني أبيعه بدرهم واحد.
فرمينا
إليه بدرهم فخلى سبيله ثم أدبر عنا ومضى مع أصحابه فما لبث إلا قليلاً حتى
عاد إلينا فوقف حيث نسمع كلامه فراعنا ذلك فأخرج الدرهم من فمه وكسره
بنصفين.
وقال: لا يسوى درهما وهذا غبن فاحش فخذوا هذا النصف وهو على كل حال غالٍ جداً بالنصف الآخر.
قال: فإذا هو أظرف الخلق.
قال:
وكنا نعرف ذلك الرجل بالجبن وقد كان سمع باحتيال الترك في دخول المدن
وعبور الأنهار في الحروب فتوهم أنه لم يتوعد بفتح الباب.
وقال
ثمامة: ما شبهت الذر إلا بالترك لأن كل ذرة على حدتها معها من المعرفة
بادخار الطعم ومن الشم والاسترواح ونجب المدّخر حتى لا ينبت في جحره ثم
الاحتيال للناس في الاحتيال لها بالصمامة والعفاص والمزدجر وتعليق الطعام
على الأوتاد والبرادات مثل الذرّ مع صاحبتها.
وقال أبو موسى الأشعرىّ: كل جنسٍ يحتاج إلى أمير ورئيس ومدبر حتى الذّرّ.
وروى
أبو عمر الضرير أن رئيس الذّرّ الرائد الذي يخرج أولاً لشيءٍ قد شمه دون
أصحابه لخصوصيةٍ خصه الله تعالى بها ولطافة الحس فإذا حاول حمله وتعاطى
نقله وأعجزه ذلك بعد أن يبلى عذرا أتاهن فأخبرهنَّ فرجع وخرجت بعده كأنها
خيطٌ أسود ممدود.
وليست ذرةٌ أبداً تستقبل ذرةً أخرى إلا واقفتها وسارتها بشىءٍ ثم انصرفت عنها.
وكذلك الأتراك كل واحدٍ منهم غير عاجزٍ عن معرفة مصلحة أمره إلا أنّ التفاضل واجبٌ في جميع أصناف الأشياء والنبات والموات.
وقد تختلف الجواهر وكلها كريم وتتفاضل العتاق وكلها جواد.
وقد
قلنا في مناقب جميع الأصناف بجمل ما انتهى إلينا وبلغه علمنا فإن وقع ذلك
بالموافقة فبتوفيق الله وصنعه وإن قصر دون ذلك فالذي قصر بنا نقصان علمنا
وقلة حفظنا وسماعنا.
فأما حسن النِّيَّة والذي نضمر من المحبة والاجتهاد في القربة فإنا لا نرجع في ذلك إلى أنفسنا بلائمة.
وبين
التقصير من جهة التفريط والتضييع وبين التقصير من جهة العجز وضعف العزم
ولو كان هذا الكتاب من كتب المناقضات وكتب المسائل والجوابات وكان كل صنفٍ
من الأصناف يريد الاستقصاء على صاحبه ويكون غايته إظهار فضل نفسه وإن لم
يصل إلى ذلك إلا بإظهار نقص أخيه ووليه لكان كتاباً كبيراً كثير الورق
عظيماً ولكان العدد الذي يقضون لمؤلفه بالعلم والاتساع في المعرفة أكثر
وأظهر ولكنا رأينا أن القليل الذي يُجمع خيرٌ من الكثير الذي يفرِّق.
ونحن نعوذ بالله من هذا المذهب ونسأله العون والتسديد إنه سميعٌ قريبٌ فعال لما يريد.
تم الكتاب ولله المنة وبيده الحول والقوة والله الموفق للصواب.
والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد نبيه وآله الطيبين الطاهرين وسلامه وهو حسبنا ونعم الوكيل.
فأبى الجنيد أن يخرج إليه إلا وحده ففصلا من الصفوف.
وقال: سل عما أحببت فإن كان عندي جوابٌ أرضاه أجبتك وإلا أشرت عليك بمن هو أبصر بذلك مني.
قال
الجنيد: الزاني عندنا رجلان: رجلٌ دفعنا إليه امرأةً تغنيه عن حرم
الناس وتكفه عن حرم الجيران ورجلٌ لم نعطه ذلك ولم نحل بينه وبين أن يفعل
ذلك لنفسه.
فأما
الذي لا زوجة له فإن نجلده مائة جلدة ونحضر ذلك الجماعة من الناس لنشهره
ونحذره به ونغربه في البلدان لنزيد من شهرته وفي التحذير منه ولينزجر بذلك
كل من كان يهم بمثل عمله.
فاما الذي قد أغنيناه فإنا نرجمه بالجندل حتى نقتله.
قال:
حسن جميلٌ وتدبيرٌ كبير فما قولكم في الذي يقذف عفيفاً بالزنى قال: يجلد
ثمانين جلدة ولا نقبل له شهادةً ولا نصدق له حديثاً.
قال:
حسنٌ جميلٌ وتدبيرٌ كبير فما حكمكم في السارق قال: السارق عندنا
رجلان: رجلٌ يحتال لما قد أحرزه الناس من أموالهم حتى يأخذها بنقب
حيطانهم وبالتسلق من أعالي دورهم فهذا نقطع يده التي سرق بها ونقب بها
واعتمد عليها.
ورجلٌ
آخر يخيف السبيل ويقطع الطريق ويكايد على الأموال ويشهر السلاح فإن منعه
صاحب المتاع قتله فهذا نقتله ونصلبه على المناهج والطرق.
قال: حسنٌ جميلٌ وتدبيرٌ كبير.
قال:
فما حكمكم في الغاصب والمستلب قال: كلُّ ما فيه الشبهة ويجوز فيه الغلط
والوجوه كالغصب والاستلاب والجناية والسرقة لما قال: حسنٌ جميلٌ وتدبيرٌ
كبير.
قال: فما حكمكم في القاتل وقاطع الأذن والأنف قال: النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف.
وإن قتل رجلاً عشرةٌ قتلناهم.
ونقتل القويَّ البدن بالضعيف البدن وكذلك اليد والرِّجل.
قال: حسنٌ جميلٌ وتدبيرٌ كبير.
قال: فما تقولون في الكذاب والنمام والضراط.
قال: عندنا فيهم الإقصاء لهم وإبعادهم وإهانتهم ولا نقبل شهادتهم ولا نصدق أحكامهم.
قال: وليس إلا هذا قال: هذا جوابنا على ديننا.
قال له: أما النمام عندي هو الذي يُضرِّب بين الناس فإني أحبسه في مكانٍ لا يرى فيه أحداً.
وأما الضراط فإني أكوي أسته وأعاقب ذلك المكان فيه.
وأما
الكذاب فإني أقطع الجارح التي بها يكذب كما قطعتم اليد التي بها يسرق وأما
الذي يضحك الناس ويعودهم السخف فإني أخرجه من سلطانه وأصلح بإخراجه عقول
رعيتي.
قال:
فقال الجنيد بن عبد الرحمن: أنتم قومٌ تردون أحكامكم إلى جواز العقول
وإلى ما يحسن في ظاهر الرأي ونحن قومٌ نتبع الأنبياء ونرى أنْ لم نصلح على
تدبير العباد.
وذلك
أن الله تعالى أعلم بغيب المصالح وسر الأمروحقائقه ومحصوله وعواقبه والناس
لا يعلمون ولا يرون الحزم إلا قال: ما قلت كلاماً أشرف من هذا ولقد
ألقيت لي في فكراً طويلاً.
قال إبراهيم: قال عبد الملك: قال صالح: قال الجنيد: فلم أرى أوفى ولا أنصف ولا أفهم ولا أذكى منه.
ولقد واقفته ثلاث ساعاتٍ من النهار وما تحرك منه شيءٌ إلا لسانه وما مني شيء لم أحركه.
وهكذا
يصفون ملوك الترك يزعمون أن ساسان وخاقان الأكبر تواقفا ببعض الكسور
وفصلاً من الصفين وطالت المناجاة فلما انفتلا قالوا: كان خاقان أركن
وأدب وكان مركب كِسرى أركن وأدب ولم يتحرك من خاقان إلا لسانه وكان برذونه
يرفع قائمةً ويضع أخرى وكان مركب كسرى كأنما صبّ صبا وكان كسرى يحرك رأسه
ويشير بيده.
قالوا: ومن الأعاجيب أن الحارث بن كعب لا يقوم لحزم وحزم لا تقوم لكندة وكندة لا تقوم للحارث بن كعب.
قالوا: ومثل ذلك من الأعاجيب في الحارث: أنّ العرب لا تقوم للترك والترك لا تقوم للروم والروم لا تقوم للعرب.
قال
جهم بن صفوان الترمذي: قد عرفنا ما كان بين فارس والترك من الحرب حتى
تزوج كسرى أبرويز خانتون بنت خاقان يستميله بذلك الصهر ويدفع بأسه عنه.
وقد
عرفنا الحروب التي كانت بين فارس والروم وكيف تساجلوا الظفر وبأي سببٍ غرس
الزيتون بالمدائن وسوسا وبأي سببٍ بنيت الرومية ولم سميت بذلك ولم بنى
كسرى على الخليج قبالة قسطنطينية النواويس وبيوت النار.
ولكن متى ظهرت الروم على ترك خرسان ظهوراً موالياً ضربوا بها المثل إلى آخر دارمسه ومن الأشباه ومن يتخلل هذا النسب.
وكانت خانتون بنت خاقان عند أبرويز فولدت له شيرويه.
وقد ملك شيرويه بعد أبرويز فتزوج شيرويه مريم بنت قيصر فولدت له فيروزاشاهى أم يزيد الناقص والوليد.
وكان يقول: ولدني أربعة أملاك: كسرى وخاقان وقيصر ومروان.
وكان
يرتجز في حروبه التي قتل فيها الوليد بن يزيد بن عاتكة: أنا ابن كسرى
وأبي خاقان وقيصرٌ جدي وجدي مروان فلما صار إلى الافتخار في شعره بالنجدة
والثقافة بالحرب لم يفخر إلا بخاقان فقط فقال: فإن كنت أرمى مقبلاً ثم
مدبرا وأطلع من طودٍ زليق على مهر فخاقان جدى فاعرفى ذاك واذكرى أخابيره
فى السهل والجبل الوعر قوله " وأطلع " يريد: وأنزل وهى لغة أهل
الشام وأخذوها من نازلة العرب في أول الدهر.
وجعل دابته مهراً لأن ذلك أشد وأشق.
وقال
الفضل بن العباس بن رزين: أتانا ذات يوم فرسانٌ من الترك فلم يبق أحد
ممن كان خارجاً إلا دخل حصنه وأغلق بابه وأحاطوا بحصن من ذلك الحصون وأبصر
فارسٌ منهم شيخاً يطلع إليهم من فوق فقال له التركي: لئن لم تنزل إلي
لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحدا! قال: فنزل إليه وفتح له الباب ودخلوا
الحصن واكتسحوا كل شيء فيه فضحك من نزوله إليه وفتحه له وهو في أحصن موضع
وأمنع مكان ثم أقبل به إلى حصن أنا فيه فقال: اشتروه مني.
قلنا: لا حاجة لنا في ذلك.
قال: فإني أبيعه بدرهم واحد.
فرمينا
إليه بدرهم فخلى سبيله ثم أدبر عنا ومضى مع أصحابه فما لبث إلا قليلاً حتى
عاد إلينا فوقف حيث نسمع كلامه فراعنا ذلك فأخرج الدرهم من فمه وكسره
بنصفين.
وقال: لا يسوى درهما وهذا غبن فاحش فخذوا هذا النصف وهو على كل حال غالٍ جداً بالنصف الآخر.
قال: فإذا هو أظرف الخلق.
قال:
وكنا نعرف ذلك الرجل بالجبن وقد كان سمع باحتيال الترك في دخول المدن
وعبور الأنهار في الحروب فتوهم أنه لم يتوعد بفتح الباب.
وقال
ثمامة: ما شبهت الذر إلا بالترك لأن كل ذرة على حدتها معها من المعرفة
بادخار الطعم ومن الشم والاسترواح ونجب المدّخر حتى لا ينبت في جحره ثم
الاحتيال للناس في الاحتيال لها بالصمامة والعفاص والمزدجر وتعليق الطعام
على الأوتاد والبرادات مثل الذرّ مع صاحبتها.
وقال أبو موسى الأشعرىّ: كل جنسٍ يحتاج إلى أمير ورئيس ومدبر حتى الذّرّ.
وروى
أبو عمر الضرير أن رئيس الذّرّ الرائد الذي يخرج أولاً لشيءٍ قد شمه دون
أصحابه لخصوصيةٍ خصه الله تعالى بها ولطافة الحس فإذا حاول حمله وتعاطى
نقله وأعجزه ذلك بعد أن يبلى عذرا أتاهن فأخبرهنَّ فرجع وخرجت بعده كأنها
خيطٌ أسود ممدود.
وليست ذرةٌ أبداً تستقبل ذرةً أخرى إلا واقفتها وسارتها بشىءٍ ثم انصرفت عنها.
وكذلك الأتراك كل واحدٍ منهم غير عاجزٍ عن معرفة مصلحة أمره إلا أنّ التفاضل واجبٌ في جميع أصناف الأشياء والنبات والموات.
وقد تختلف الجواهر وكلها كريم وتتفاضل العتاق وكلها جواد.
وقد
قلنا في مناقب جميع الأصناف بجمل ما انتهى إلينا وبلغه علمنا فإن وقع ذلك
بالموافقة فبتوفيق الله وصنعه وإن قصر دون ذلك فالذي قصر بنا نقصان علمنا
وقلة حفظنا وسماعنا.
فأما حسن النِّيَّة والذي نضمر من المحبة والاجتهاد في القربة فإنا لا نرجع في ذلك إلى أنفسنا بلائمة.
وبين
التقصير من جهة التفريط والتضييع وبين التقصير من جهة العجز وضعف العزم
ولو كان هذا الكتاب من كتب المناقضات وكتب المسائل والجوابات وكان كل صنفٍ
من الأصناف يريد الاستقصاء على صاحبه ويكون غايته إظهار فضل نفسه وإن لم
يصل إلى ذلك إلا بإظهار نقص أخيه ووليه لكان كتاباً كبيراً كثير الورق
عظيماً ولكان العدد الذي يقضون لمؤلفه بالعلم والاتساع في المعرفة أكثر
وأظهر ولكنا رأينا أن القليل الذي يُجمع خيرٌ من الكثير الذي يفرِّق.
ونحن نعوذ بالله من هذا المذهب ونسأله العون والتسديد إنه سميعٌ قريبٌ فعال لما يريد.
تم الكتاب ولله المنة وبيده الحول والقوة والله الموفق للصواب.
والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد نبيه وآله الطيبين الطاهرين وسلامه وهو حسبنا ونعم الوكيل.
Aziz- Üst onbaşı
- عدد الرسائل : 26
تاريخ التسجيل : 23/02/2009
رد: مناقب الترك
قال:
ثم إن الترك عطفت على العرب بالمحاجّة والمقايسة وقالوا: قلتم إن تكن
القرابة مما يستحق بالكفاية فنحن أقدم في الطاعة والود والمناصحة وإن تكن
تستحقّ بالقربة فنحن أقرب قرابةً.
قالوا: والعرب بعد هذا صنفان: عدنان وقحطان.
فأما القحطانيّ فنسبتنا إلى الخلفاء أقرب من نسبتهم ونحن أمس بهم رحماً لأن الخليفة من ولد إسماعيل بن ابراهيم دون قحطان وعابر.
وولد إبراهيم عليه السلام إسماعيل وأمه هاجر وهي قبطية.
وإسحاق وأمه سريانية.
والستة الباقون أمهم قطورا بنت مفطون عربية من العرب العاربة.
وفي قول القحطانية: إنّ أمّنا أشرف في الحسب إذ كانت عربية.
وأربعة من الستة هم الذين وأما قولنا للعدنانيّ فإبراهيم أبونا وإسماعيل عمّنا وقرابتنا من إسماعيل كقرابتكم.
ثم إن الترك عطفت على العرب بالمحاجّة والمقايسة وقالوا: قلتم إن تكن
القرابة مما يستحق بالكفاية فنحن أقدم في الطاعة والود والمناصحة وإن تكن
تستحقّ بالقربة فنحن أقرب قرابةً.
قالوا: والعرب بعد هذا صنفان: عدنان وقحطان.
فأما القحطانيّ فنسبتنا إلى الخلفاء أقرب من نسبتهم ونحن أمس بهم رحماً لأن الخليفة من ولد إسماعيل بن ابراهيم دون قحطان وعابر.
وولد إبراهيم عليه السلام إسماعيل وأمه هاجر وهي قبطية.
وإسحاق وأمه سريانية.
والستة الباقون أمهم قطورا بنت مفطون عربية من العرب العاربة.
وفي قول القحطانية: إنّ أمّنا أشرف في الحسب إذ كانت عربية.
وأربعة من الستة هم الذين وأما قولنا للعدنانيّ فإبراهيم أبونا وإسماعيل عمّنا وقرابتنا من إسماعيل كقرابتكم.
رد: مناقب الترك
زعمتم بأنّ الترك أبناء مذحجٍ *** وبينكم قربى وبين البرابر
وذالكم نسل ابن ضبة باسلٍ *** وصوفان أنسال كثير الجرائر
وقال آخر:
متى كانت الأتراك أبناء مذححٍ *** ألا إن في الدنيا عجيباً لمن عجب
وذالكم نسل ابن ضبة باسلٍ *** وصوفان أنسال كثير الجرائر
وقال آخر:
متى كانت الأتراك أبناء مذححٍ *** ألا إن في الدنيا عجيباً لمن عجب
رد: مناقب الترك
تبدلت منه بعد ما شاب مفرقي *** عداوة تركي وبغض أبي حسل
أنا ابن كسرى وأبي خاقان *** وقيصرٌ جدي وجدي مروان
فلما صار إلى الافتخار في شعره بالنجدة والثقافة بالحرب لم يفخر إلا بخاقان فقط فقال:
فإن كنت أرمى مقبلاً ثم مدبرا *** وأطلع من طودٍ زليق على مهر
فخاقان جدى فاعرفى ذاك واذكرى *** أخابيره فى السهل والجبل الوعر
أنا ابن كسرى وأبي خاقان *** وقيصرٌ جدي وجدي مروان
فلما صار إلى الافتخار في شعره بالنجدة والثقافة بالحرب لم يفخر إلا بخاقان فقط فقال:
فإن كنت أرمى مقبلاً ثم مدبرا *** وأطلع من طودٍ زليق على مهر
فخاقان جدى فاعرفى ذاك واذكرى *** أخابيره فى السهل والجبل الوعر
رد: مناقب الترك
ماشاء الله عليك اخ عزيز الف الف شكر لك
على جهودك في هذه المقالة القيمة والرائعة
وايضا الشكر لتتمة الاخ رمادي
على جهودك في هذه المقالة القيمة والرائعة
وايضا الشكر لتتمة الاخ رمادي
gizem- Çavuş
- عدد الرسائل : 108
العائلة التركمانية : oğuz Avşar
تاريخ التسجيل : 29/11/2008
رد: مناقب الترك
هذا الجزء هو من أفضل ما قرأت في هذه الرسالة
Aziz كتب:
ومحبة الوطن شيءٌ شامل لجميع الناس وغالب على جميع الجيرة.
ولكن ذاك في الترك أغلب وفيها أرسخ لما معها من خاصة المشاكلة والمناسبة واستواء الشبه وتكافي التركيب.
ألا
ترى أن العبدي يقول: " عمر الله البلدان بحب الأوطان " وأن ابن
الزبير قال: " ليس الناس بشيءٍ من أقسامهم أقنع منهم بأوطانهم " وأن
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " لولا تفرق أهواء العباد لما عمَّر
الله البلاد " وأن جمعة الإيادبة قالت: " لولا ما أوصى الله به
العباد من قفر البلاد لما وسعهم وادٍ ولا كفاهم زاد ".
وذكر
قتيبة بن مسلم الترك فقال: " هم والله أحن من الإبل المعقلة إلى
أوطانها " لأن البعير يحن إلى وطنه وعطنه وهو بعمان من ظهر البصرة فهو
يخبط كل شيء ويستبطن كل وادٍ حتى يأتي مكانه على أنه طريقٌ لم يسلكه إلا
مرةً واحدة فلا يزال بالشم والاسترواح وحسن الاستدلال فلذلك ضرب به قتيبة
المثل.
والشح على الوطن والحنين إليه والصبابة به مذكورةٌ في القرآن مخطوطةٌ في الصحف بين جميع الناس.
غير أن التركي للعلل التي ذكرناها أشد حنيناً وأكثر نزوعاً.
Aziz- Üst onbaşı
- عدد الرسائل : 26
تاريخ التسجيل : 23/02/2009
مواضيع مماثلة
» كتاب ديوان لغات الترك، المقدّمة
» اسم الترك ووطنهم الأم
» أسم الترك ووطنهم الأم
» ذكر ملوك الترك والصين....بحث وتقديم:ديار الهرمزي
» مين بدو كتاب ديوان لغات الترك
» اسم الترك ووطنهم الأم
» أسم الترك ووطنهم الأم
» ذكر ملوك الترك والصين....بحث وتقديم:ديار الهرمزي
» مين بدو كتاب ديوان لغات الترك
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى