من طرف ممد تركماني الأربعاء نوفمبر 19, 2008 7:36 pm
كازاخستان.. وجه العالم المعاصر تشكل من هنا ملايين الكازاخ يعيشون في 55 بلدا يتوقع عودتهم إلى بلادهم الغنية بأكثر من 700 نهر و 48 ألف بحيرة
ألما آتا : بدر الخريف رغم ان كازاخستان لها جذور تاريخية قديمة تعود الى القرون الاولى قبل الميلاد إلا ان ظهورها على خارطة العالم لم يتم إلا قبل 13 عاما عندما اعلنت استقلالها بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق واصبحت دولة حديثة تملك مقومات النمو والاصلاح، وتمثل ذلك في تمكن الحكومة والشعب الكازاخي من نقل عاصمة الجمهورية من «ألما آتا» المدينة التجارية والاقتصادية والعاصمة القديمة للدولة الى «أستانه» وبناء هذه العاصمة الجديدة والعصرية في وسط السهول الشاسعة خلال ثلاث سنوات فقط. واضافة الى الإرث التاريخي والثقافي الذي تتميز به كازاخستان فان الدولة الحديثة تحتل المرتبة التاسعة في العالم من حيث المساحة بعد روسيا والصين والولايات المتحدة والارجنتين والبرازيل وكندا والهند واستراليا كما انها تحتل مكانة متقدمة في ما تمتلكه الجمهورية من مختلف الثروات الطبيعية واصبحت الدولة الحديثة صاحبة باع في صناعات الوقود والطاقة والصناعات المعدنية والكيماوية القادرة على مساندة النمو الاقتصادي الذي يسير بخطوات سريعة، كما لفتت الدولة الحديثة انظار العالم باعلانها منذ الايام الاولى لميلادها رفضها للتسلح النووي كدولة محبة للسلام آلت عن نفسها إقامة مجتمع ديمقراطي يقوم على اقتصاد حر يرعى السلام والوئام ويضع في مقدمة اولوياته حقوق الانسان وسيادة القانون. تعود الجذور التاريخية لشعب الكازاخ الى شعب الوسون Uisun الذي كان يضم قبائل ساي زونغ ويوزي Yue Zhi ما بين وادي ايلي وبحيرة إستيق كول في شمال تركستان في القرن الرابع الميلادي. وفي اوائل القرن الثاني قبل الميلاد تغلب الوسون على دولة ساكا، او الاسكيز كما سماها اليونانيون، وكانت قد بسطت سلطتها على جنوب كازاخستان في الالف الاول قبل الميلاد، وقد تم اكتشاف اثارها التاريخية في بوغازا Bogaza في اواسط كازاخستان وفي عدة مواقع في ييدّي سو (سبعة انهار) وحول بحيرة آرال. وخلال القرون الاولى قبل الميلاد ازدهرت في المناطق السهلية لأواسط آسيا الحضارة الاسقوثية البدوية والتي ظلت آثارها ماثلة حتى يومنا هذا حيث نجد ما هو مثير للاهتمام حقا من مخلفات تلك الحقبة التاريخية كالادوات التي كانت تستخدم في الحياة اليومية والزخارف المستوحاة من البيئة في شكل وحوش صممت من الذهب والفضة عثر عليها علماء الاثار في وسط التلال المتنشرة على امتداد كازاخستان كما عثر في مدينة «ايسيك» الصغيرة التي لا تبعد كثيرا عن الماطي العاصمة على ضريح «الانسان الذهبي» الذي وجد في كامل وضعه وجمال مظهره. ومن وحي هذا الاثر الثقافي النادر اقيم في الجانب الجنوبي للعاصمة نصب تذكاري حديث اطلق عليه «النصب التذكاري للاستقلال»، وخلال القرون المتعاقبة قامت في سهول كازاخستان الدولة الهونية ذات الجبروت التي كان لها تاثير واضح على الخريطة الجيو ـ سياسية للعالم المعاصر حيث سقطت الامبراطورية الرومانية العظيمة تحت ضربات محاربي الدولة الهونية بقيادة «اوتلا». انطلقت من القبائل الهونية فيما بعد ما يسمى بالقبائل الناطقة بالتركية التي اسست دولا كبيرة باسم امبراطوريات «قاغانات» تمتد من البحرالاصفر في الشرق الى البحر الاسود غربا، وكانت هذه الدول تتميز بحضارات متقدمة عن عصرها، ولم تعتمد نمط القبائل الرحّل في الحياة بل شكلت حضارة متمدنة ذات تقاليد حرفية وتجارية غنية. ظهرت في اراضي آسيا الوسطى حينذاك مدن او ما يسمى «بكارافان سراي» كانت تمر عبرها طريق الحرير التاريخي الاسطوري التي تربط بين بيزنطيا والصين. وهناك ايضا طريق حرير على امتداد نهر جيحون ومنطقة بحيرة آرال ومنطقة اورال، وكذلك طريق آخر معروف باسم «طريق الفراء» يعبر وسط كازاخستان وألطاي وجنوب سيبريا، وكانت تصدر عبرها الجلود القيمة الى دول الشرق الاوسط واوروبا، وقد ظهرت على امتداد هذا الخط مدن كبيرة ومراكز تجارية اهمها اوترار (فاراب) وسوران وقيبجان وجند وطراز وسيرام يسى (تركستان) والماطي الخ... * الفارابي مر من هنا * وكان لطريق الحرير العظيم اثرها لا على نمو التجارة فحسب بل كانت بمثابة دافع لحركة الابداع في مجال العلم والثقافة. وعاش في هذه الفترة في منطقة فاراب مفكرون عظام مثل ابو نصر الفارابي والجواهري وغيرهما، ممن تركوا آثارا خالدة في مجالات الفلسفة وعلم الفلك وعلم المنطق والموسيقى والاداب، ومن العلماء المشهورين في المنطقة ايضا عالم اللغة العظيم محمود الكاشغري مؤلف مجلد «ديوان لغات الترك» الصادر في ثلاثة اجزاء والذي اثرى تجربة الفولكلور وآداب الشعوب الناطقة بالتركية، كما ولد هنا يوسف بلاساغوني مؤلف الكتاب التاريخي المشهور «فوتاد غوبيليك» الذي يعتبر احد المحدثين في الفكر السياسي والاجتماعي وعلم الاخلاق، وفي القرن الثاني عشر عاش في مدينة تركستان المفكر الاسلامي الكبير خواجة احمد اليساوي الذي الف كتاب «ديوان الحكمة». وقد احتلت القبائل المنغولية الاراضي الكازاخية في سنة 1221 م مما ترك اثرا كبيرا على تاريخ الشعب الكازاخي في القرون الوسطى. وفي النصف الثاني للقرن الخامس عشر بدأت عملية توحيد القبائل الرحل في سهول كازاخستان وهم اجداد الكازاخ المعاصرين، ومنذ تلك الفترة بدأت تتكون القومية الكازاخية من مختلف العناصر العرقية والحضارية التي توحدت على اساس تطابق نمط الحياة والثقافة والدين الاسلامي، بعد ذلك الحين بدأت تتشكل في الاراضي الكازاخية الامارات الاولى (الخانات) وفي النصف الاول من القرن السادس عشر اكتمل تشكل القومية الكازاخية. * شعب يتطلع للحرية * كلمة «كازاخ» في اللغة التركية القديمة تعني «حر» او «مستقل» ويعبر ذلك عن طبيعة شعب كان يتطلع طوال تاريخ وجوده الى كيان حر ومستقل. بعد ذلك تلاحقت قرون المعاناة على الشعب الكازاخي. ففي القرنين الـ 17 والـ 18 تعرضت الاراضي الكازاخية لهجمات شرسة ومستمرة من قبائل جونغار في غرب الصين بتحريض من الحكام الصينيين، الا انه بفضل المقاومة البطولية التي استمرت حوالي قرنين ضد القوى البربرية المتفوقة، وبفضل قيادة وحكمة ابطال الكازاخ العظام مثل تولي بي، وقازيبيك بي، وايتيكي بي، تمكن الشعب الكازاخي من تجنب الابادة الجسدية الكاملة التي استهدفت الامة. وازاء الخطر القاتل القادم من الشرق اضطر القادة الكازاخ الى طلب الحماية العسكرية من روسيا القيصرية مما ادى في النهاية الى فقدان استقلال كازاخستان في سنة 1871. وقد ارتبط مصير كازاخستان لاحقا بالنهج الاوروبي للتطورالاجتماعي وبنهج تطور الدولة الروسية والشعب الروسي على وجه الخصوص حيث خضعت كازاخستان مباشرة بعد الثورة البلشفية للسلطة السوفييتية فتجرع الشعب الكازاخي عن بكرة ابيه كأس الشمولية المرة. وفي ثلاثينيات هذا القرن واثر تطبيق سياسة التعاونيات الزراعية قضى ما يفوق ثلاثة ملايين كازاخي نتيجة للمجاعة أي 50 في المائة من تعداد الكازاخ، وهاجر مئات الالاف منهم الى الصين ودول اخرى، وتعرض خيرة ممثلي الشعب للاضطهاد والاعدام، اما خاتمة المآسي فقد حدثت يوم 17 ديسمبر 1982 حينما كشّر النظام عن انيابه وتصدى بوحشية وقسوة لقمع انتفاضة الماطي الديمقراطية التي كانت بمثابة بداية النهاية للاتحاد السوفييتي الذي لم يعد ذا سطوة او جبروت. وفي 16 ديسمبر 1991 اعلنت كازاخستان استقلالها وتم انتخاب نور سلطان نظر بابييف اول رئيس للدولة، وهكذا ظهرت على خريطة العالم قبل 13 سنة جمهورية كازاخستان المستقلة، وبالرغم من مضي سنوات قليلة عن الاستقلال الا ان عمق الاصلاحات و شموليتها جعلا تلك الفترة تبدو للشعب الكازاخي وكأنها عهد كامل، ومنذ الأيام الأولى لميلادها اعلنت الجمهورية الفتية طواعية سياستها الرافضة للتسلح النووي كدولة محبة للسلام آلت على نفسها إقامة مجتمع ديمقراطي يقوم على اقتصاد حر يرعى السلام والوئام، مجتمع يضع في مقدمة اولوياته حقوق الانسان وسيادة القانون. وقد اجيز في عام 1995 دستور الدولة الذي نص على ان كازاخستان دولة علمانية موحدة تنتهج النظام الرئاسي. ومن الاحداث المهمة في تاريخ كازاخستان المعاصر نقل عاصمة الجمهورية الى مدينة «استانة» في العاشر من ديسمبر 1997 حيث تمكنت الحكومة الكازاخية وشعب كازاخستان من نقل عاصمة الجمهورية وتشييد مدينة جديدة وعصرية وسط السهول الشاسعة خلال ثلاث سنوات فقط. هذه الخطوة الشجاعة، من قبل دولة حديثة الاستقلال، فرضتها اسباب سياسية واقتصادية وبيئية وديموغرافية فضلا عن الجانب الاستراتيجي المهم، وسيقع تقويم مدى اهمية هذا القرار على عاتق الاجيال القادمة. * إرث ثقافي وتاريخي عظيم * كازاخستان بلد يتميز بإرث تاريخي وثقافي عظيم خلفته الى حد كبير عوامل جغرافية واوضاع جيوسياسية، فموقع كازاخستان بين اوروبا وآسيا جعل منها ملتقى للحضارات القديمة ومعبرا لدروب المواصلات. كما ان التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الناتجة عن ارتباطات وصلات الشرق والغرب والشمال وبالجنوب ترتبت عليها تحولات كبيرة في قارتي آسيا واوروبا وتركت آثارها على كازاخستان في حقب تاريخية متعاقبة ونشأت وتطورت حدود هذه الرقعة الى دويلات تميزت بثقافة قائمة بذاتها هذه الثقافات ورثتها كازاخستان الحديثة. * 65 % من السكان مسلمون * وتعتبر دولة كازاخستان اكبر دولة اسلامية حيث تبلغ مساحتها 2.724900 مليون كيلومتر محتلة بذلك المرتبة التاسعة في العالم ويبلغ عدد سكانها 14.841900 مليون نسمة وتتكون من 16 محافظة تضم 131 قومية ونسبة الكازاخ منها 53.4 في المائة والروس 30.17 في المائة والاوكران 3.7 في المائة والالمان 2.4 في المائة والتاتار 1.7 في المائة وكذلك جاليات كبيرة مثل اوزبكي وقيرغيزي واويغوري. اللغة الكازاخية هي لغة الدولة ولها اصول تركية، وكذلك تنتشر في كازاخستان اللغة الروسية التي تستخدم كلغة رسمية ثانية في المؤسسات الحكومية، كما تعتبر كازاخستان دولة علمانية لا يتضمن دستورها اتباع اية دين معين وينص على عدم التفرقة بين المجموعات العرقية المختلفة، فكلها سواء امام القانون. هذا وتبلغ نسبة المسلمين 65 في المائة والمسيحيين 30 في المائة والديانات الاخرى 5 في المائة ويبلغ متوسط كثافة السكان 5.5 شخص لكل كيلومتر. وخلال العشر سنوات الاخيرة ارتفع عدد مؤهلي التعليم العالي الى 15 في المائة بين الذكور و31 بين الاناث، كما يعيش أفراد من الشعب الكازاخي في 55 بلدا، ففي الصين يسكن مليون و258 الفا وفي اوزبكستان 967 الفا وفي روسيا 687 الفا وفي تركمنستان 87 الفا وفي منغوليا 83 الفا وقيرغيزستان 42 الفا وفي افغانستان 23 الفا وفي تركيا 20 الفا وفي جورجيا 3 آلاف وفي مولدافيا وفي لا تفيا الف كازاخي.
|
|
مصدر جريدة الشرق الاوسط |
| |
|
|