الملك الأشرف خليل بن قلاوون
صفحة 1 من اصل 1
الملك الأشرف خليل بن قلاوون
الملك الأشرف خليل بن قلاوون
(666ـ 693هـ/ 1268ـ 1293م)
هو السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي الألفي رحمهما الله ، أحد أبرز سلاطين الأسرة القلاوونية المملوكية البحرية التركية التي حكمت دولة المماليك العظمى أكثر من مئة قرن من الزمان .
ولد سنة 666هـ في مصر ، و نشأ في كنف والده الأ*** ثم السلطان قلاوون ، حيث أجواء الحرب و الجهاد و القتال .
توليه السلطنة
عينه والده السلطان قلاوون ولياً لعهده، بعد وفاة أخيه الأكبر علاء الدين علي سنة 687هـ/ 1288م ، و قد ناب عن والده أكثر من مرة في غيابه، وخاصة عندما حاصر قلاوون مدينة طرابلس عام 688هـ.
ثم تولى السلطان الأشرف خليل السلطنة في السابع و العشرين من ذي القعدة سنة 689هـ/ 1290م، ، بعد وفاة أبيه قلاوون خلفاً لوالده ، و ذكر المؤرخون أنه في هذه السنة تصدق بصدقات كثيرة .
فجدد له الأمراء والجند البيعة، وأخذ في ترتيب أمور مصر، فأبقى الأمير بدر الدين بيدرا المنصوري نائباً للسلطنة في مصر ، و خلع فيها بالوزارة على الصاحب شمس الدين محمد بن السلعوس الدمشقي، وكان الأمير حسام الدين لاجين نائبه في دمشق ومن بعده علم الدين سنجر الشجاعي ثم عز الدين أيبك الحموي شمس الدين ابن السلعوس ، كما أطلق الأ*** زين الدين كتبغا ـ السلطان فيما بعد ـ و رد عليه أقطاعه ..
وقد سعى الأشرف خليل منذ توليه السلطة إلى فرض هيمنته الكاملة على شؤون الحكم والحد من تسلط أمراء المماليك، وتركت مساعيه هذه بصمات قوية على عهده القصير، فلم تكد قدم الأشرف خليل ترسخ في الملك حتى راح كبار الأمراء، الذين كان لهم باع طويل في عهد أبيه، يتآمرون عليه، فصادر أكثرهم وأقصاهم عن أعمالهم، وقتل بعضهم مثل حسام الدين طرنطاي، وسجن عدداً آخر منهم مثل شمس الدين سنقر الأشقر، وسيف الدين بن جرمك الناصري، وحسام الدين لاجين، وبدر الدين بَيْسَرى، وجمال الدين أقوش الأفرم المنصوري وغيرهم، وأطلق جماعة منهم بعد أن سجنهم.
صفاته :
كان الأشرف رحمه الله خليل ضخم الجثة حسن الهيئة، جليل المهابة، عالي الهمة، اشتهر بالشجاعة والإقدام حتى التهور، قليل التحرز والاحتياط، مولعاً بالحروب، يقول الحافظ الذهبي رحمه الله : ((لو طالت أيامه لأخذ العراق و غيرها ، فإنه كان بطلاً شجاعاً ، مقداماً مهيباً عالي الهمة يملاً العين و يرجف القلب .
رأيته مرات ، و كان ضخماً على وجهه رونق الحسن و هيبة السلطنة ، و كان شديد الوطأة قوي البطش ، تخافه الملوك في أمصارها ، و الوحوش العادية في آجامها .
و كانت له لذات ، ولم أحسبه بلغ ثلاثين سنة ، و لعل الله قد عفا عنه و أوجب له الجنة لكثرة جهاده و إنكائه بالكفار )) .
و يقول ابن تغري بردي : ((كان الأشرف مفرط الشجاعة و الإقدام ، و جمهور الناس على أنه أشجع ملوك الترك (المماليك) قديماً و حديثاً بلا مدافعة)) .
و كان رحمه الله كريماً حتى التبذير ، واهتم بالعمران وبتحصين مدن بلاد الشام بعد خروج الصليبيين منها، وهدم الحصون التي كان الفرنج يلوذون بها، كما جدد قلعة حلب بعد الخراب الذي أصابها من هولاكو، ورمم قلعتي دمشق وبعلبك وزاد فيهما، وبنى المسجد الجامع في طرابلس، وعدداً من المدارس والدور في دمشق والقاهرة ، و منها المدرسة الأشرفية في القاهرة، وكان الملك الأشرف قد أنشأها سنة 687هـ/ 1288م عندما كان ولياً للعهد ثم أتم عمارتها وزخرفتها بعد أن تسلطن فنسبت إليه .
جهاده ضد الصليبيين
عزم السلطان الأشرف على تطهير الساحل المتوسطي الشامي من الصليبيين و تحرير بقية المدن التي يحتلونها إمتداداً لرحلة جهاد مقدسة طويلة قادها قبله عماد الدين زنكي و نور الدين محمود و صلاح الدين الأيوبي و الظاهر بيبرس و أبوه المنصور قلاوون .
فتح عكا و الساحل
سار الأشرف على نهج أبيه في سياسته الخارجية، فعزم منذ توليه السلطنة على حرب الصليبيين والعمل على طرد بقاياهم من بلاد الشام، وتحرير المناطق التي مابرحت في حوزتهم، وأعد للأمر عدته، ففي غرة ربيع الأول سنة 690هـ بعث السلطان بالبريد من القاهرة إلى أمراء الشام يدعوهم إلى الإستعداد لحصار عكا و تجهيز المجانيق فجمع العساكر من الشام ومصر، وانضم إليه المطوعة.
و **** السلطان الأشرف بجيوشه من القاهرة في الثالث من ربيع الأول ، و لحق به من جند الشام و متطوعة الإسلام أممٌ عظيمة حتى وصلت الجيوش إلى عكا وضربت على أسوارها خمسة عشر منجنيقاً كبيراً و بدأ الحصار و استمر قصف عكا بنيران و أحجار المجانيق حتى أحدثت في أسوارها ثقوباً عديدة ، وتوجه قاصداً عكا وحاصرها في 3 ربيع الأول سنة 690هـ/ 5 نيسان 1291م ونصب عليها المجانيق، وعمل مهندسوه على نقب أسوارها، فلم تصمد أمامه طويلاً على مناعتها والمعونات التي وصلتها بحراً من جزيرة قبرص، و لما طال الحصار على الصليبيين و فشلت محاولات ملك قبرص في إمدادهم إختلفت كلمتهم و ذهبت ريحهم ، ولم تمض ثلاث ساعات من نهار السابع من جمادى الأولى حتى استولى جند الإسلام على المدينة و قتلوا خلقاً كثيراً من الصليبيين المقاتلين ، و غنموا ديارهم و أموالهم ، ثم أسروا بقيتهم و الهاربين منهم .
.
وسقطت أسوار المدينة في يده في 17 جمادى الأولى سنة 690هـ/ 18 أيار 1291م، و كان فتح عكا هو النصر العظيم الذي آذن بزوال الإحتلال الصليبي نهائياً إذ لم يمض بعده غير قليل حتى سلم صليبيو صور و صيدا و بيروت و عثليث و إنطرسوس ، و محا الله بسيوف الأشرف خليل و جنده الصليبيين من الشام و تطهرت منهم ديار المسلمين تماماً وولى الفرنجة الأدبار هاربين في المراكب وتساقطت الأبراج المحصنة التي كانت للأخويات الفرسانية برجاً برجاً، وكانت ضرباً من الحصون داخل المدينة، إلى أن سقط آخرها وهو برج الداوية في 28 جمادى الأولى/ 29 أيار، فانتقم الأشرف منهم لغدرهم برجاله وسمح لمن بقي بالانتقال إلى قبرص وخشية أن يفعل الصليبيون ما فعلوه بالناصر صلاح الدين الأيوبي أرسل أحد قادته إلى صور ليمنع الخارجين من عكا من الالتجاء إليها. وبعد سقوط عكا تساقطت المدن المحتلة الأ**** واحدة واحدة من دون مقاومة تذكر، فاستسلمت صيدا وصور وعتليت وجبيل وحيفا وطرطوس وبيروت، وانتقل من فيها من الصليبيين إلى قبرص، وألزم الملك الأشرف من بقي منهم في تلك المدن دفع الجزية، وأمر بهدم الحصون التي تحميها خشية معاودتهم. ولم يبق في يد الفرنجة في الشام إلا جزيرة أرواد قبالة ساحل طرطوس وعمت مظاهر الابتهاج بالنصر مدة شهر في دمشق، وخُلِّد اسم السلطان الملك الأشرف خليل الذي تم تحرير بلاد الشام ـ بالكامل ـ من الصليبيين على يديه.
تحول الأشرف بعد تحرير الشام من الفرنجة لقتال المغول في الجزيرة الفراتية والعراق، فقصد قلعة الروم على الفرات في رجب سنة 691هـ/ تموز 1292م فاحتلها بعد حصار دام ثلاثين يوماً، وأسر أ***ها ورؤوس أصحابه، وغنم المسلمون منها شيئاً كثيراً، وزينت دمشق سبعة أيام احتفالاً بالنصر.
ولما شعر ملك أرمينية هيثوم الثاني بقوة موقف الملك الأشرف خليل، تخلى له بعد عام من ذلك التاريخ عن قلاع بَهَسْنا ومرعش وتل حمدون التي تتحكم بالطرق المؤدية إلى حلب، وبعد أن رتب الأمور في الشام عاد الملك الأشرف خليل إلى مصر.
و دخل السلطان الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون دمشق في أبهة النصر و مكث بها حتى اطمأن على زوال الخطر نهائياً ثم قفل راجعاً إلى القاهرة في أواخر رجب فدخلها في تاسع شعبان 690هـ في أبهة عظيمة و كان يوماً مشهودا .
فتح قلعة الروم
و استمرت رحلة جهاد ذلك السلطان المجيد ، ففي التاسع و العشرين من ربيع الأول سنة 691هـ أمر بتجهيز الجيوش لفتح قلعة الروم ، ثم خرج من القاهرة في ثامن ربيع الثاني ، ولحقت به جيوش المظفر تقي الدين صاحب حماة ، و **** بالجيوش جميعاً قاصداً حلب و منها إلى قلعة الروم و ضرب عليها حصاراً عظيماً استخدم فيه نحو ثلاثين منجنيقاً ، حتى افتتحها عنوة في حادي عشر رجب 691هـ ، و دخل السلطان الأشرف دمشق منتصراً في الثلاثاء تاسع عشر شعبان ، سائقاً الأسرى و من بينهم ملك قلعة الروم ، و رؤوس القتلى على رؤوس الرماح ، و احتفل الناس بدخوله و دعوا له ، و في خضم ذلك النصر العظيم بعث السلطان بحملتين إلى كسروان و الخزر لتأديبهم إثر ممالئتهم الفرنج على المسلمين .
و نظم الشعراء القصائد الحسان في ذلك الفتح ، و منها قصيدة شهاب الدين محمود :
لك الراية الصفراء يقدمها النصر .:. فمن كيقبادان رآها و كيخسرو
إذاخفقت في الأفق هدّت بنورها .:. هوى الشرك واستعلىالهدى وانجلى الثغر
و فتحٌ أتى في إثر فتــح كأنما .:. سماء بدت تتـرى كواكبهـا الزهر
فما قلعة الروم التي قد فتحتها .:. و إن عظمت إلا إلى غيرها جسر
فيا أشرف الأملاك فزت بغزوة .:. تحصل منها الفتح و الذكر و الأجر
ليهنئك عند المصطفى أن دينه .:. توالى له في يمن دولتك النصر
فسر حيثما تختار فالأرض كلها .:. تطيعك و الأمصار أجمعها مصر
.
غزو بلاد سيس
في جمادى الاولى 692هـ **** السلطان بجيوشه من مصر إلى الشام قاصداً فتح قلعة سيس ، فدخل دمشق في تاسع جمادى الآخرة ، فلما تهيأ للغزو إذا بصاحب سيس يرسل رسله يطلبون الصلح ، و اتفق الطرفان على أن يتسلم رسل السلطان من صاحب سيس ثلاث قلاع هي بهسنا و مرعش و تل حمدون ، ففرح الناس بذلك فرحاً عظيماً ، إذ كانت هذه القلاع مصدر أذىً للمسلمين في الماضي .
و قفل السلطان عائداً إلى القاهرة في أواخر رجب سنة 692هـ .
مقتل السلطان الأشرف
أدت سياسة الأشرف خليل الداخلية وتقليصه نفوذ كبار رجال دولته، وتقريبه خاصته وتوزيره ابن السلعوس إلى إثارة نقمة عدد كبير من الأمراء المماليك، فتآمروا عليه وانتهزوا فرصة قيام الملك الأشرف برحلة صيد إلى الحمامات بمديرية البحيرة، فانفردوا به وبادره الأمير بيدرا مع جماعة من أصحابه المماليك فضربوه بسيوفهم وقتلوه في الثاني من شهر المحرم سنة 693هـ/ كانون أول 1293م بعد حكم دام ثلاث سنوات، إلا أنها لم تدم لبيدرا يوماً ، إذ لقية الأ*** زين الدين كتبغا في عسكره و قتله و جز رأسه و طاف برأس الخائن "بيدرا" في شوارع القاهرة ..
وانتقلت السلطنة بعد وفاته إلى أخيه الأصغر الناصر محمد لأنه لم يعقب سوى ابنتين رحمه الله .
(666ـ 693هـ/ 1268ـ 1293م)
هو السلطان الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي الألفي رحمهما الله ، أحد أبرز سلاطين الأسرة القلاوونية المملوكية البحرية التركية التي حكمت دولة المماليك العظمى أكثر من مئة قرن من الزمان .
ولد سنة 666هـ في مصر ، و نشأ في كنف والده الأ*** ثم السلطان قلاوون ، حيث أجواء الحرب و الجهاد و القتال .
توليه السلطنة
عينه والده السلطان قلاوون ولياً لعهده، بعد وفاة أخيه الأكبر علاء الدين علي سنة 687هـ/ 1288م ، و قد ناب عن والده أكثر من مرة في غيابه، وخاصة عندما حاصر قلاوون مدينة طرابلس عام 688هـ.
ثم تولى السلطان الأشرف خليل السلطنة في السابع و العشرين من ذي القعدة سنة 689هـ/ 1290م، ، بعد وفاة أبيه قلاوون خلفاً لوالده ، و ذكر المؤرخون أنه في هذه السنة تصدق بصدقات كثيرة .
فجدد له الأمراء والجند البيعة، وأخذ في ترتيب أمور مصر، فأبقى الأمير بدر الدين بيدرا المنصوري نائباً للسلطنة في مصر ، و خلع فيها بالوزارة على الصاحب شمس الدين محمد بن السلعوس الدمشقي، وكان الأمير حسام الدين لاجين نائبه في دمشق ومن بعده علم الدين سنجر الشجاعي ثم عز الدين أيبك الحموي شمس الدين ابن السلعوس ، كما أطلق الأ*** زين الدين كتبغا ـ السلطان فيما بعد ـ و رد عليه أقطاعه ..
وقد سعى الأشرف خليل منذ توليه السلطة إلى فرض هيمنته الكاملة على شؤون الحكم والحد من تسلط أمراء المماليك، وتركت مساعيه هذه بصمات قوية على عهده القصير، فلم تكد قدم الأشرف خليل ترسخ في الملك حتى راح كبار الأمراء، الذين كان لهم باع طويل في عهد أبيه، يتآمرون عليه، فصادر أكثرهم وأقصاهم عن أعمالهم، وقتل بعضهم مثل حسام الدين طرنطاي، وسجن عدداً آخر منهم مثل شمس الدين سنقر الأشقر، وسيف الدين بن جرمك الناصري، وحسام الدين لاجين، وبدر الدين بَيْسَرى، وجمال الدين أقوش الأفرم المنصوري وغيرهم، وأطلق جماعة منهم بعد أن سجنهم.
صفاته :
كان الأشرف رحمه الله خليل ضخم الجثة حسن الهيئة، جليل المهابة، عالي الهمة، اشتهر بالشجاعة والإقدام حتى التهور، قليل التحرز والاحتياط، مولعاً بالحروب، يقول الحافظ الذهبي رحمه الله : ((لو طالت أيامه لأخذ العراق و غيرها ، فإنه كان بطلاً شجاعاً ، مقداماً مهيباً عالي الهمة يملاً العين و يرجف القلب .
رأيته مرات ، و كان ضخماً على وجهه رونق الحسن و هيبة السلطنة ، و كان شديد الوطأة قوي البطش ، تخافه الملوك في أمصارها ، و الوحوش العادية في آجامها .
و كانت له لذات ، ولم أحسبه بلغ ثلاثين سنة ، و لعل الله قد عفا عنه و أوجب له الجنة لكثرة جهاده و إنكائه بالكفار )) .
و يقول ابن تغري بردي : ((كان الأشرف مفرط الشجاعة و الإقدام ، و جمهور الناس على أنه أشجع ملوك الترك (المماليك) قديماً و حديثاً بلا مدافعة)) .
و كان رحمه الله كريماً حتى التبذير ، واهتم بالعمران وبتحصين مدن بلاد الشام بعد خروج الصليبيين منها، وهدم الحصون التي كان الفرنج يلوذون بها، كما جدد قلعة حلب بعد الخراب الذي أصابها من هولاكو، ورمم قلعتي دمشق وبعلبك وزاد فيهما، وبنى المسجد الجامع في طرابلس، وعدداً من المدارس والدور في دمشق والقاهرة ، و منها المدرسة الأشرفية في القاهرة، وكان الملك الأشرف قد أنشأها سنة 687هـ/ 1288م عندما كان ولياً للعهد ثم أتم عمارتها وزخرفتها بعد أن تسلطن فنسبت إليه .
جهاده ضد الصليبيين
عزم السلطان الأشرف على تطهير الساحل المتوسطي الشامي من الصليبيين و تحرير بقية المدن التي يحتلونها إمتداداً لرحلة جهاد مقدسة طويلة قادها قبله عماد الدين زنكي و نور الدين محمود و صلاح الدين الأيوبي و الظاهر بيبرس و أبوه المنصور قلاوون .
فتح عكا و الساحل
سار الأشرف على نهج أبيه في سياسته الخارجية، فعزم منذ توليه السلطنة على حرب الصليبيين والعمل على طرد بقاياهم من بلاد الشام، وتحرير المناطق التي مابرحت في حوزتهم، وأعد للأمر عدته، ففي غرة ربيع الأول سنة 690هـ بعث السلطان بالبريد من القاهرة إلى أمراء الشام يدعوهم إلى الإستعداد لحصار عكا و تجهيز المجانيق فجمع العساكر من الشام ومصر، وانضم إليه المطوعة.
و **** السلطان الأشرف بجيوشه من القاهرة في الثالث من ربيع الأول ، و لحق به من جند الشام و متطوعة الإسلام أممٌ عظيمة حتى وصلت الجيوش إلى عكا وضربت على أسوارها خمسة عشر منجنيقاً كبيراً و بدأ الحصار و استمر قصف عكا بنيران و أحجار المجانيق حتى أحدثت في أسوارها ثقوباً عديدة ، وتوجه قاصداً عكا وحاصرها في 3 ربيع الأول سنة 690هـ/ 5 نيسان 1291م ونصب عليها المجانيق، وعمل مهندسوه على نقب أسوارها، فلم تصمد أمامه طويلاً على مناعتها والمعونات التي وصلتها بحراً من جزيرة قبرص، و لما طال الحصار على الصليبيين و فشلت محاولات ملك قبرص في إمدادهم إختلفت كلمتهم و ذهبت ريحهم ، ولم تمض ثلاث ساعات من نهار السابع من جمادى الأولى حتى استولى جند الإسلام على المدينة و قتلوا خلقاً كثيراً من الصليبيين المقاتلين ، و غنموا ديارهم و أموالهم ، ثم أسروا بقيتهم و الهاربين منهم .
.
وسقطت أسوار المدينة في يده في 17 جمادى الأولى سنة 690هـ/ 18 أيار 1291م، و كان فتح عكا هو النصر العظيم الذي آذن بزوال الإحتلال الصليبي نهائياً إذ لم يمض بعده غير قليل حتى سلم صليبيو صور و صيدا و بيروت و عثليث و إنطرسوس ، و محا الله بسيوف الأشرف خليل و جنده الصليبيين من الشام و تطهرت منهم ديار المسلمين تماماً وولى الفرنجة الأدبار هاربين في المراكب وتساقطت الأبراج المحصنة التي كانت للأخويات الفرسانية برجاً برجاً، وكانت ضرباً من الحصون داخل المدينة، إلى أن سقط آخرها وهو برج الداوية في 28 جمادى الأولى/ 29 أيار، فانتقم الأشرف منهم لغدرهم برجاله وسمح لمن بقي بالانتقال إلى قبرص وخشية أن يفعل الصليبيون ما فعلوه بالناصر صلاح الدين الأيوبي أرسل أحد قادته إلى صور ليمنع الخارجين من عكا من الالتجاء إليها. وبعد سقوط عكا تساقطت المدن المحتلة الأ**** واحدة واحدة من دون مقاومة تذكر، فاستسلمت صيدا وصور وعتليت وجبيل وحيفا وطرطوس وبيروت، وانتقل من فيها من الصليبيين إلى قبرص، وألزم الملك الأشرف من بقي منهم في تلك المدن دفع الجزية، وأمر بهدم الحصون التي تحميها خشية معاودتهم. ولم يبق في يد الفرنجة في الشام إلا جزيرة أرواد قبالة ساحل طرطوس وعمت مظاهر الابتهاج بالنصر مدة شهر في دمشق، وخُلِّد اسم السلطان الملك الأشرف خليل الذي تم تحرير بلاد الشام ـ بالكامل ـ من الصليبيين على يديه.
تحول الأشرف بعد تحرير الشام من الفرنجة لقتال المغول في الجزيرة الفراتية والعراق، فقصد قلعة الروم على الفرات في رجب سنة 691هـ/ تموز 1292م فاحتلها بعد حصار دام ثلاثين يوماً، وأسر أ***ها ورؤوس أصحابه، وغنم المسلمون منها شيئاً كثيراً، وزينت دمشق سبعة أيام احتفالاً بالنصر.
ولما شعر ملك أرمينية هيثوم الثاني بقوة موقف الملك الأشرف خليل، تخلى له بعد عام من ذلك التاريخ عن قلاع بَهَسْنا ومرعش وتل حمدون التي تتحكم بالطرق المؤدية إلى حلب، وبعد أن رتب الأمور في الشام عاد الملك الأشرف خليل إلى مصر.
و دخل السلطان الأشرف صلاح الدين خليل بن قلاوون دمشق في أبهة النصر و مكث بها حتى اطمأن على زوال الخطر نهائياً ثم قفل راجعاً إلى القاهرة في أواخر رجب فدخلها في تاسع شعبان 690هـ في أبهة عظيمة و كان يوماً مشهودا .
فتح قلعة الروم
و استمرت رحلة جهاد ذلك السلطان المجيد ، ففي التاسع و العشرين من ربيع الأول سنة 691هـ أمر بتجهيز الجيوش لفتح قلعة الروم ، ثم خرج من القاهرة في ثامن ربيع الثاني ، ولحقت به جيوش المظفر تقي الدين صاحب حماة ، و **** بالجيوش جميعاً قاصداً حلب و منها إلى قلعة الروم و ضرب عليها حصاراً عظيماً استخدم فيه نحو ثلاثين منجنيقاً ، حتى افتتحها عنوة في حادي عشر رجب 691هـ ، و دخل السلطان الأشرف دمشق منتصراً في الثلاثاء تاسع عشر شعبان ، سائقاً الأسرى و من بينهم ملك قلعة الروم ، و رؤوس القتلى على رؤوس الرماح ، و احتفل الناس بدخوله و دعوا له ، و في خضم ذلك النصر العظيم بعث السلطان بحملتين إلى كسروان و الخزر لتأديبهم إثر ممالئتهم الفرنج على المسلمين .
و نظم الشعراء القصائد الحسان في ذلك الفتح ، و منها قصيدة شهاب الدين محمود :
لك الراية الصفراء يقدمها النصر .:. فمن كيقبادان رآها و كيخسرو
إذاخفقت في الأفق هدّت بنورها .:. هوى الشرك واستعلىالهدى وانجلى الثغر
و فتحٌ أتى في إثر فتــح كأنما .:. سماء بدت تتـرى كواكبهـا الزهر
فما قلعة الروم التي قد فتحتها .:. و إن عظمت إلا إلى غيرها جسر
فيا أشرف الأملاك فزت بغزوة .:. تحصل منها الفتح و الذكر و الأجر
ليهنئك عند المصطفى أن دينه .:. توالى له في يمن دولتك النصر
فسر حيثما تختار فالأرض كلها .:. تطيعك و الأمصار أجمعها مصر
.
غزو بلاد سيس
في جمادى الاولى 692هـ **** السلطان بجيوشه من مصر إلى الشام قاصداً فتح قلعة سيس ، فدخل دمشق في تاسع جمادى الآخرة ، فلما تهيأ للغزو إذا بصاحب سيس يرسل رسله يطلبون الصلح ، و اتفق الطرفان على أن يتسلم رسل السلطان من صاحب سيس ثلاث قلاع هي بهسنا و مرعش و تل حمدون ، ففرح الناس بذلك فرحاً عظيماً ، إذ كانت هذه القلاع مصدر أذىً للمسلمين في الماضي .
و قفل السلطان عائداً إلى القاهرة في أواخر رجب سنة 692هـ .
مقتل السلطان الأشرف
أدت سياسة الأشرف خليل الداخلية وتقليصه نفوذ كبار رجال دولته، وتقريبه خاصته وتوزيره ابن السلعوس إلى إثارة نقمة عدد كبير من الأمراء المماليك، فتآمروا عليه وانتهزوا فرصة قيام الملك الأشرف برحلة صيد إلى الحمامات بمديرية البحيرة، فانفردوا به وبادره الأمير بيدرا مع جماعة من أصحابه المماليك فضربوه بسيوفهم وقتلوه في الثاني من شهر المحرم سنة 693هـ/ كانون أول 1293م بعد حكم دام ثلاث سنوات، إلا أنها لم تدم لبيدرا يوماً ، إذ لقية الأ*** زين الدين كتبغا في عسكره و قتله و جز رأسه و طاف برأس الخائن "بيدرا" في شوارع القاهرة ..
وانتقلت السلطنة بعد وفاته إلى أخيه الأصغر الناصر محمد لأنه لم يعقب سوى ابنتين رحمه الله .
gulben turkmen- Çavuş
- عدد الرسائل : 104
العائلة التركمانية : oğuz Avşar
تاريخ التسجيل : 31/03/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى