العلم الشيخ طاهر الاتاسي ح3
صفحة 1 من اصل 1
العلم الشيخ طاهر الاتاسي ح3
شعره وأدبه:
وبالإضافة إلى علمه الغزير وانشغاله بالفتوى والسياسة، كان العلامة أديباً شاعراً كأبيه، بل وملماً بأنواع الموسيقى.
وفي عام 1924م لما بويع ملك الحجاز وشريف مكة، الحسين بن علي بن عون الهاشمي، بالخلافة الكبرى أبرق الأتاسي، وقد كان مفتي حمص آنها، إليه خطاباً مبايعاً إياه على لسان أهل حمص. وقد كان الأتاسيون يرون في بيعة الهواشم استمراراً للخلافة التي قضى عليها كمال أتاتورك (اليهودي الأصل) بعزل آخر الخلفاء العثمانيين عام 1924م، وقد مقته آل لأتاسي وذموا حزبه الذي أقام العلمانية منهجاً. ولما شغر منصب الخلافة اتجهت أنظارهم إلى الهاشميين الذين كانوا رمزاً للإسلام بكونهم من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم، ولاستيطانهم مكة المكرمة عاصمة الإسلام، ولعراقة أسرتهم في حكمها لمكة عبر القرون الطويلة.
وبعد، فقد اشتهرت بلاغة العلامة الأتاسي وملكاته الأدبية اشتهاراً، وتداول الناس قصائده وتسامروا بها في المجالس، وفي يد الكثير من الناس اليوم في حمص ودمشق وغيرها من البلاد عدد من أشعاره، حتى قال في ترجمته السيد الجندي في كتابه "أعلام الأدب والفن":
"علمه وشعره: كان رحمه الله متبحراً في العلوم الشرعية والأدبية وقد فاق المرحوم والده بروعة شعره فانقادت لبلاغته وبيانه قوافي النظم ومن شعره قصيدة كان نظمها بعيد مولد النبي الشريف وهي 125 بيتاً ومطلعها:
يميناً بالمُحصّب لن يمينـا
سقى كف الحياة حياً وحيّا
لعهدي عهديَ الأقوى يمينا
ثرىً كم فيه عَفَّرْتُ الجبينا
وقال في ترجمة العلامة الأتاسي الأستاذ عبدالإله النبهان:
"كان الشيخ حريصاً على قراءة الأدب والشعر حتى في مرحلة الإفتاء وعندما كان منهمكاً في سهره المتواصل لإتمام "شرح المجلّة" وإخراجها، وكانت تحت يده مكتبة ضخمة غنية، وقد حدّثني السيد سعيد محمد السباعي أن الشيخ محمد نديم الوفائي زار المفتي فوجده يقرأ مسرحية "مجنون ليلى" لأمير الشعراء أحمد شوقي، فظهر عليه الاستغراب والدهشة: المفتي شارح المجلة يقرأ مسرحية شعرية! فقال له المفتي: "ندّوا أقلامكم بالأدب".
مصنفاته وآثاره الشرعية والأدبية:
واشتغل العلامة الأتاسي بالتأليف، فكان من مصنفاته:
1) إكمال "شرح مجلة الأحكام العدلية" في الفقه الحنفي، والتي بدأها والده خالد الأتاسي، وأكمل المترجم مجلداتها الأخيرة فجاءت في سبعة أجزاء، وقد طبع هذا المؤلف الضخم مرات في حال حياته وبعد وفاته ووزع الكتاب وانتشر وصار كتاباً يدرس لطلاب العلم.
2) "الرد على الأحمدية القاديانية"، طُبع مرة ولم تجدد طباعته.
3) "سواطع الحق المبين في الرد على من أنكر أن سيدنا محمد خاتم النبيين"، طُبع في حمص عام 1350 للهجرة (1931م).
4) مجموعة فتاوى كانت عند الشيخ وصفي المسدي أحد تلامذته.
5) ديوان شعر كبير غير مطبوع.
بالإضافة إلى مصنفات شرعية أخرى لم تطبع، ولا أدري إن كانت لا تزال موجودة. هذا وقد كان الشيخ طاهر الأتاسي خطاطاً، خط بقلمه الشريف القرآن الكريم كاملاً ومن ذلك نسخة كتبها بخط الإجازة كانت موجودة في مسجد خالد بن الوليد ثم نقلت إلى متحف دائرة الأوقاف بحمص حيث هي الآن معروضة.
قصة عن فضائل الأتاسي:
أروي هنا خبراً عن شمائل العلامة الأتاسي فقد أُخبر عن سوء سلوك بعض العوام في حمص فقد كان في عن شارع من شوارع حمص كانت فيه حفرة كبيرة، وكان بعض الجهلة يجلسون على قارعة ذالك الطريق، فإذا ما مر رجل من النصارى أمامهم نادوه قائلين: "طورق!"، أي انزل الحفرة فامش بها، سخرية واستهزاءً، حتى ضاقت الأمور على النصارى، فلما بلغ هذا الخبر مسامع مفتي المدينة طاهر أفندي غضب غضباً شديدا، لأن هذا ليس من أخلاق المسلمين في شيء بل هو مناف لتعاليم الدين الإسلامي ومنفر عن الدعوة إلى الدين الحنيف، فأصدر الأتاسي لتوه فتوى معززة بالأدلة تمنع الناس عن مثل هذا الأعمال المنكرة ، فكان أن اضطر هؤلاء الجهلة إلى الكف عن عملهم، الأمر الذي رفع الحرج عن مسيحيي المدينة،
الأتاسي في مؤلفات الآخرين وعلى ألسنتهم:
وقد جاءت ترجمة العلامة وذكره في مؤلفات تاريخية عديدة، فقد قال فيه صاحب تاريخ حمص بعد أن ترجم له: "والمفتي طاهر الأتاسي عالم كبير وفقيه مشرع وبحاثة مدقق وشاعر محلق، وكانت مستعصيات المسائل الفقهية تأتيه من كل أنحاء البلاد السورية والعربية فيفتي فيها بإحكام ودقة".
وذكره العلامة الشريف محمد العربي العزوزي الإدريسي الحسني، أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية في ثبته "إتحاف ذوي العناية" فقال: "ثم في سنة 1353 للهجرة (1934م) زرت مدينة حمص واجتمعت بجل علمائها وفضلائها، فمنهم المفتي الحالي العلامة النوازلي السيد محمد طاهر الأتاسي، بيتهم بيت علم وفضل وجاه ولعائلته الكريمة السيطرة ونفوذ الكلمة، زرته في بيته وأطلعني على شرح المجلة لوالده المفتي السابق وتكملته له، وكان إذ ذاك مباشراً لطبعهما، أجازني بما له من الإجازة العامة المطلقة عن والده وعن غيره من فضلاء عصره".
وترجم له العالم والصوفي الشاعر والمؤرخ الشيخ عبدالهادي الوفائي في كتابه "التاريخ الحمصي" فكان مما قال: "الشيخ طاهر الأتاسي العالم الفاضل، أتقن جميع العلوم وفاق على الشعراء بالشعر، فكم له من قصائد رائقة وألفاظ دقيقة وقدودٍ شتّى، ولو كان عنده علم الموسيقا لفاق على الشيخ أمين الجندي، وكان بالشعر يفوق على والده خالد أفندي المفتي".
وأشاد به العلامة الداعية الدكتور مصطفى حسني السباعي وترجم له فقال في تأبينه في مجلة الفتح (ننقلها من كتاب "مصطفى السباعي: الداعية المجدد" للدكتور زرزور): "وهو المفتي الوحيد في بلاد الشام الذي يزن الأمور بميزان المصلحة العامة، ويطبقها على المقاصد الشرعية السامية، فإذا تحقق في مسألة من المسائل المعروضة عليه مصلحة عامة تعود على العلم أو الدين أو الأمة، التمس لها الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، أو أقوال مشاهير العلماء، ضارباً صفحاً عما هنالك من نصوص فقهية قد يحول الأخذ بظاهرها دون تحقيق تلك المصلحة المرجوة"، ثم قال: "وقلّ أن تجد في المفتين المعاصرين من له هذه الروح وهذه القوة، وهذا التمكن البالغ في فهم دقائق الفقه الإسلامي ومقاصده".
وذكره عدنان الملوحي، الصحفي، عندما ذكر آل الأتاسي في ترجمته للرئيس الجليل هاشم بك الأتاسي، فقال: "وكان عدد من هذه الأسرة من العلماء والأعلام، ومنهم كان يعين مفتي حمص على مدى عقود طويلة، وأذكر منهم، وأنا يومئذ صغير، الشيخ طاهر الأتاسي، وكان أبي الشيخ الإمام يزوره في مجلسه وديوانه في منزله في حارة "بيت الأتاسي" بالقرب من طريق الشام، وكنت أرافق أبي في بعض زياراته المعتادة للمفتي الشيخ طاهر، وكنت ألاحظ إهتمام سماحته بأبي وتقديمه على غيره من علماء ومشايخ المدينة وأئمتها".
وقال فيه الشيخ وصفي المسدي، والذي لازمه صغيراً في آخر حياة الأتاسي ودرس عليه: "كان الشيخ طاهر أفندي في الحقيقة خاتمة العلماء، كان عالماً في جميع فروع العلم، بل وله باع طويل في التصوف والمنطق، وكنت قد فتحت معه درساً في أصول الفقه الحنفي فقرأ كتاب التوضيح والتلويح، فكنا لا نفهم الدرس لصعوبته فكان رحمه الله يفسره لنا"، وقال: "وفي الشعر كان شاعراً مجيداً، كلفه ذات مرة الإخوان المسلمون بقصيدة شعرية بمناسبة الهجرة أو المولد، فكتب لهم قصيدة، وصعد إلى المنبر يومها الشيخ مؤيد شمسي باشا (مفتي الحنابلة بحمص) فألقاها، وهي قصيدة لها قيمتها، وكان الشيخ مؤيد يلقيها في المجالس"، وقال: "كان الشيخ طاهر رجل علم بحق، والكتب كانت حوله دوماً، وكثيراً ما وجد سارحاً في كتبه لياليا كاملة رحمه الله"، وقال: "وتوليت تبييض الفتاوى له فكانت كل فتوى درساً، وكان عالماً بضبط الأنغام والموسيقى، إذ أن ذات مرة طلب منه التلاميذ والمشايخ في حمص أن يعقد لهم مجلساً يستمعون فيه إلى قراءة الشيخ محمد رفعت، فعين طاهر أفندي لهم يوماً وأحضر له ولده فيضي المذياع، وجلسوا يستمعون إلى قراءة الشيخ والشيخ طاهر يشير بين الحين والآخر إلى القراءة وضبطها فيقول لهم: هذا رصد، وهذا حجاز، فإذا به أيضاً عالم بضبط الأنغام".
وجاء ذكر "طاهر الأتاسي الحمصي: فقيه عالم بالموسيقى" في كتاب "موسوعة العالم الإسلامي ورجالها" تحت عنوان " الفقهاء وأهل الدين والقانون" في قسم "عصر النهضة العربية" في تجميعٍ لأشهر علماء الأمة الإسلامية في ذلك الزمان. ومن الشخصيات التاريخية العظيمة من علماء الشام الشريف التي كانت في تلك القائمة نجد أمين الجندي، والأمير عبدالقادر الجزائري، ومحيي الدين اليافي، ومحمود الحمزاوي، وعبدالرحمن الكواكبي، وجمال الدين القاسمي، ومحسن الأمين، وكامل الغزي، ومحمد عابدين، وبدر الدين الحسني، ومحمد البيروتي، وغيرهم من أعظم علماء الشام في أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي.
ومن الذين جاؤوا على ذكر فضله أو ترجموا له: نقيب أشراف دمشق محمد أديب الحصني في كتاب "منتخبات التواريخ لدمشق" الذي عرف به فقال: "العالم الجليل طاهر أفندي قاضي البصرة السابق ومفتي حمص اليوم"، والبستاني في "دائرة المعارف"، وترجم له كذلك مؤرخ حمص منير عيسى أسعد في "تاريخ حمص" كما أتى، والجندي في "أعلام الأدب والفن"، وعبدالهادي الوفائي في "التاريخ الحمصي" كما سلف، والزركلي في "الأعلام"، وكحالة في "معجم المؤلفين"، وعياش في "معجم المؤلفين السوريين في القرن العشرين"، ومجاهد في "الأعلام الشرقية في المائة الرابعة الهجرية"، وقدامة في "معالم وأعلام"، والبواب في "موسوعة أعلام سورية في القرن العشرين"، والدكتور عبدالإله النبهان في مقالة بعنوان "لمحات من أدب أواخر العهد العثماني" في مجلة تراث العرب، وغيرهم كثير.
وفي حمص سمي أحد الشوارع باسم طاهر الأتاسي اعترافاً بجميله على تلك المدينة، وعرف به تحت لوحة الاسم التي أقيمت في ذلك الشارع بلوحة أخرى كما هو متبع اليوم في سوريا، فجاء في اللوحة: "طاهر الأتاسي: مفتي حمص وفقيهها، مولده ووفاته بها، تولى الافتاء في حمص، وكان عارفاً بالأدب وله إلمام واسع بالموسيقى".
ومن الجدير بالذكر أن العلامة الأتاسي ينتمي إلى آل السباعي الأدارسة الحسنيين عن طريق أمه السباعية، وقد تزوج العلامة الأتاسي بابنة عمه السيدة نفيسة بنت أحمد أفندي بن العلامة المفتي محمد سعيد أفندي الأتاسي وأنجبت له ابنيه السيد فيضي الأتاسي الآتية ترجمته واسحاق الذي توفاه الله صغيراً.
انتقل المرحوم العلامة إلى رحمة الله في يوم الجمعة الحادي عشر من ربيع الأول من شهور عام 1359 الهجري المقابل لشهر نيسان عام 1940م، ودفن في مدافن العائلة في حمص، وقد كان بحق من أكبر علماء حمص ومن أعظم فضلائها على مر التاريخ. __________________
وبالإضافة إلى علمه الغزير وانشغاله بالفتوى والسياسة، كان العلامة أديباً شاعراً كأبيه، بل وملماً بأنواع الموسيقى.
وفي عام 1924م لما بويع ملك الحجاز وشريف مكة، الحسين بن علي بن عون الهاشمي، بالخلافة الكبرى أبرق الأتاسي، وقد كان مفتي حمص آنها، إليه خطاباً مبايعاً إياه على لسان أهل حمص. وقد كان الأتاسيون يرون في بيعة الهواشم استمراراً للخلافة التي قضى عليها كمال أتاتورك (اليهودي الأصل) بعزل آخر الخلفاء العثمانيين عام 1924م، وقد مقته آل لأتاسي وذموا حزبه الذي أقام العلمانية منهجاً. ولما شغر منصب الخلافة اتجهت أنظارهم إلى الهاشميين الذين كانوا رمزاً للإسلام بكونهم من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم، ولاستيطانهم مكة المكرمة عاصمة الإسلام، ولعراقة أسرتهم في حكمها لمكة عبر القرون الطويلة.
وبعد، فقد اشتهرت بلاغة العلامة الأتاسي وملكاته الأدبية اشتهاراً، وتداول الناس قصائده وتسامروا بها في المجالس، وفي يد الكثير من الناس اليوم في حمص ودمشق وغيرها من البلاد عدد من أشعاره، حتى قال في ترجمته السيد الجندي في كتابه "أعلام الأدب والفن":
"علمه وشعره: كان رحمه الله متبحراً في العلوم الشرعية والأدبية وقد فاق المرحوم والده بروعة شعره فانقادت لبلاغته وبيانه قوافي النظم ومن شعره قصيدة كان نظمها بعيد مولد النبي الشريف وهي 125 بيتاً ومطلعها:
يميناً بالمُحصّب لن يمينـا
سقى كف الحياة حياً وحيّا
لعهدي عهديَ الأقوى يمينا
ثرىً كم فيه عَفَّرْتُ الجبينا
وقال في ترجمة العلامة الأتاسي الأستاذ عبدالإله النبهان:
"كان الشيخ حريصاً على قراءة الأدب والشعر حتى في مرحلة الإفتاء وعندما كان منهمكاً في سهره المتواصل لإتمام "شرح المجلّة" وإخراجها، وكانت تحت يده مكتبة ضخمة غنية، وقد حدّثني السيد سعيد محمد السباعي أن الشيخ محمد نديم الوفائي زار المفتي فوجده يقرأ مسرحية "مجنون ليلى" لأمير الشعراء أحمد شوقي، فظهر عليه الاستغراب والدهشة: المفتي شارح المجلة يقرأ مسرحية شعرية! فقال له المفتي: "ندّوا أقلامكم بالأدب".
مصنفاته وآثاره الشرعية والأدبية:
واشتغل العلامة الأتاسي بالتأليف، فكان من مصنفاته:
1) إكمال "شرح مجلة الأحكام العدلية" في الفقه الحنفي، والتي بدأها والده خالد الأتاسي، وأكمل المترجم مجلداتها الأخيرة فجاءت في سبعة أجزاء، وقد طبع هذا المؤلف الضخم مرات في حال حياته وبعد وفاته ووزع الكتاب وانتشر وصار كتاباً يدرس لطلاب العلم.
2) "الرد على الأحمدية القاديانية"، طُبع مرة ولم تجدد طباعته.
3) "سواطع الحق المبين في الرد على من أنكر أن سيدنا محمد خاتم النبيين"، طُبع في حمص عام 1350 للهجرة (1931م).
4) مجموعة فتاوى كانت عند الشيخ وصفي المسدي أحد تلامذته.
5) ديوان شعر كبير غير مطبوع.
بالإضافة إلى مصنفات شرعية أخرى لم تطبع، ولا أدري إن كانت لا تزال موجودة. هذا وقد كان الشيخ طاهر الأتاسي خطاطاً، خط بقلمه الشريف القرآن الكريم كاملاً ومن ذلك نسخة كتبها بخط الإجازة كانت موجودة في مسجد خالد بن الوليد ثم نقلت إلى متحف دائرة الأوقاف بحمص حيث هي الآن معروضة.
قصة عن فضائل الأتاسي:
أروي هنا خبراً عن شمائل العلامة الأتاسي فقد أُخبر عن سوء سلوك بعض العوام في حمص فقد كان في عن شارع من شوارع حمص كانت فيه حفرة كبيرة، وكان بعض الجهلة يجلسون على قارعة ذالك الطريق، فإذا ما مر رجل من النصارى أمامهم نادوه قائلين: "طورق!"، أي انزل الحفرة فامش بها، سخرية واستهزاءً، حتى ضاقت الأمور على النصارى، فلما بلغ هذا الخبر مسامع مفتي المدينة طاهر أفندي غضب غضباً شديدا، لأن هذا ليس من أخلاق المسلمين في شيء بل هو مناف لتعاليم الدين الإسلامي ومنفر عن الدعوة إلى الدين الحنيف، فأصدر الأتاسي لتوه فتوى معززة بالأدلة تمنع الناس عن مثل هذا الأعمال المنكرة ، فكان أن اضطر هؤلاء الجهلة إلى الكف عن عملهم، الأمر الذي رفع الحرج عن مسيحيي المدينة،
الأتاسي في مؤلفات الآخرين وعلى ألسنتهم:
وقد جاءت ترجمة العلامة وذكره في مؤلفات تاريخية عديدة، فقد قال فيه صاحب تاريخ حمص بعد أن ترجم له: "والمفتي طاهر الأتاسي عالم كبير وفقيه مشرع وبحاثة مدقق وشاعر محلق، وكانت مستعصيات المسائل الفقهية تأتيه من كل أنحاء البلاد السورية والعربية فيفتي فيها بإحكام ودقة".
وذكره العلامة الشريف محمد العربي العزوزي الإدريسي الحسني، أمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية في ثبته "إتحاف ذوي العناية" فقال: "ثم في سنة 1353 للهجرة (1934م) زرت مدينة حمص واجتمعت بجل علمائها وفضلائها، فمنهم المفتي الحالي العلامة النوازلي السيد محمد طاهر الأتاسي، بيتهم بيت علم وفضل وجاه ولعائلته الكريمة السيطرة ونفوذ الكلمة، زرته في بيته وأطلعني على شرح المجلة لوالده المفتي السابق وتكملته له، وكان إذ ذاك مباشراً لطبعهما، أجازني بما له من الإجازة العامة المطلقة عن والده وعن غيره من فضلاء عصره".
وترجم له العالم والصوفي الشاعر والمؤرخ الشيخ عبدالهادي الوفائي في كتابه "التاريخ الحمصي" فكان مما قال: "الشيخ طاهر الأتاسي العالم الفاضل، أتقن جميع العلوم وفاق على الشعراء بالشعر، فكم له من قصائد رائقة وألفاظ دقيقة وقدودٍ شتّى، ولو كان عنده علم الموسيقا لفاق على الشيخ أمين الجندي، وكان بالشعر يفوق على والده خالد أفندي المفتي".
وأشاد به العلامة الداعية الدكتور مصطفى حسني السباعي وترجم له فقال في تأبينه في مجلة الفتح (ننقلها من كتاب "مصطفى السباعي: الداعية المجدد" للدكتور زرزور): "وهو المفتي الوحيد في بلاد الشام الذي يزن الأمور بميزان المصلحة العامة، ويطبقها على المقاصد الشرعية السامية، فإذا تحقق في مسألة من المسائل المعروضة عليه مصلحة عامة تعود على العلم أو الدين أو الأمة، التمس لها الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، أو أقوال مشاهير العلماء، ضارباً صفحاً عما هنالك من نصوص فقهية قد يحول الأخذ بظاهرها دون تحقيق تلك المصلحة المرجوة"، ثم قال: "وقلّ أن تجد في المفتين المعاصرين من له هذه الروح وهذه القوة، وهذا التمكن البالغ في فهم دقائق الفقه الإسلامي ومقاصده".
وذكره عدنان الملوحي، الصحفي، عندما ذكر آل الأتاسي في ترجمته للرئيس الجليل هاشم بك الأتاسي، فقال: "وكان عدد من هذه الأسرة من العلماء والأعلام، ومنهم كان يعين مفتي حمص على مدى عقود طويلة، وأذكر منهم، وأنا يومئذ صغير، الشيخ طاهر الأتاسي، وكان أبي الشيخ الإمام يزوره في مجلسه وديوانه في منزله في حارة "بيت الأتاسي" بالقرب من طريق الشام، وكنت أرافق أبي في بعض زياراته المعتادة للمفتي الشيخ طاهر، وكنت ألاحظ إهتمام سماحته بأبي وتقديمه على غيره من علماء ومشايخ المدينة وأئمتها".
وقال فيه الشيخ وصفي المسدي، والذي لازمه صغيراً في آخر حياة الأتاسي ودرس عليه: "كان الشيخ طاهر أفندي في الحقيقة خاتمة العلماء، كان عالماً في جميع فروع العلم، بل وله باع طويل في التصوف والمنطق، وكنت قد فتحت معه درساً في أصول الفقه الحنفي فقرأ كتاب التوضيح والتلويح، فكنا لا نفهم الدرس لصعوبته فكان رحمه الله يفسره لنا"، وقال: "وفي الشعر كان شاعراً مجيداً، كلفه ذات مرة الإخوان المسلمون بقصيدة شعرية بمناسبة الهجرة أو المولد، فكتب لهم قصيدة، وصعد إلى المنبر يومها الشيخ مؤيد شمسي باشا (مفتي الحنابلة بحمص) فألقاها، وهي قصيدة لها قيمتها، وكان الشيخ مؤيد يلقيها في المجالس"، وقال: "كان الشيخ طاهر رجل علم بحق، والكتب كانت حوله دوماً، وكثيراً ما وجد سارحاً في كتبه لياليا كاملة رحمه الله"، وقال: "وتوليت تبييض الفتاوى له فكانت كل فتوى درساً، وكان عالماً بضبط الأنغام والموسيقى، إذ أن ذات مرة طلب منه التلاميذ والمشايخ في حمص أن يعقد لهم مجلساً يستمعون فيه إلى قراءة الشيخ محمد رفعت، فعين طاهر أفندي لهم يوماً وأحضر له ولده فيضي المذياع، وجلسوا يستمعون إلى قراءة الشيخ والشيخ طاهر يشير بين الحين والآخر إلى القراءة وضبطها فيقول لهم: هذا رصد، وهذا حجاز، فإذا به أيضاً عالم بضبط الأنغام".
وجاء ذكر "طاهر الأتاسي الحمصي: فقيه عالم بالموسيقى" في كتاب "موسوعة العالم الإسلامي ورجالها" تحت عنوان " الفقهاء وأهل الدين والقانون" في قسم "عصر النهضة العربية" في تجميعٍ لأشهر علماء الأمة الإسلامية في ذلك الزمان. ومن الشخصيات التاريخية العظيمة من علماء الشام الشريف التي كانت في تلك القائمة نجد أمين الجندي، والأمير عبدالقادر الجزائري، ومحيي الدين اليافي، ومحمود الحمزاوي، وعبدالرحمن الكواكبي، وجمال الدين القاسمي، ومحسن الأمين، وكامل الغزي، ومحمد عابدين، وبدر الدين الحسني، ومحمد البيروتي، وغيرهم من أعظم علماء الشام في أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي.
ومن الذين جاؤوا على ذكر فضله أو ترجموا له: نقيب أشراف دمشق محمد أديب الحصني في كتاب "منتخبات التواريخ لدمشق" الذي عرف به فقال: "العالم الجليل طاهر أفندي قاضي البصرة السابق ومفتي حمص اليوم"، والبستاني في "دائرة المعارف"، وترجم له كذلك مؤرخ حمص منير عيسى أسعد في "تاريخ حمص" كما أتى، والجندي في "أعلام الأدب والفن"، وعبدالهادي الوفائي في "التاريخ الحمصي" كما سلف، والزركلي في "الأعلام"، وكحالة في "معجم المؤلفين"، وعياش في "معجم المؤلفين السوريين في القرن العشرين"، ومجاهد في "الأعلام الشرقية في المائة الرابعة الهجرية"، وقدامة في "معالم وأعلام"، والبواب في "موسوعة أعلام سورية في القرن العشرين"، والدكتور عبدالإله النبهان في مقالة بعنوان "لمحات من أدب أواخر العهد العثماني" في مجلة تراث العرب، وغيرهم كثير.
وفي حمص سمي أحد الشوارع باسم طاهر الأتاسي اعترافاً بجميله على تلك المدينة، وعرف به تحت لوحة الاسم التي أقيمت في ذلك الشارع بلوحة أخرى كما هو متبع اليوم في سوريا، فجاء في اللوحة: "طاهر الأتاسي: مفتي حمص وفقيهها، مولده ووفاته بها، تولى الافتاء في حمص، وكان عارفاً بالأدب وله إلمام واسع بالموسيقى".
ومن الجدير بالذكر أن العلامة الأتاسي ينتمي إلى آل السباعي الأدارسة الحسنيين عن طريق أمه السباعية، وقد تزوج العلامة الأتاسي بابنة عمه السيدة نفيسة بنت أحمد أفندي بن العلامة المفتي محمد سعيد أفندي الأتاسي وأنجبت له ابنيه السيد فيضي الأتاسي الآتية ترجمته واسحاق الذي توفاه الله صغيراً.
انتقل المرحوم العلامة إلى رحمة الله في يوم الجمعة الحادي عشر من ربيع الأول من شهور عام 1359 الهجري المقابل لشهر نيسان عام 1940م، ودفن في مدافن العائلة في حمص، وقد كان بحق من أكبر علماء حمص ومن أعظم فضلائها على مر التاريخ. __________________
هيثم رشاد كاخي- Çavuş
- عدد الرسائل : 115
العائلة التركمانية : oğuz Avşar
تاريخ التسجيل : 23/03/2008
مواضيع مماثلة
» العلم الشيخ طاهر الاتاسي ح1
» العلم الشيخ طاهر الاتاسي ح2
» العلم الشيخ ابو كمال
» قصة العلم التركي
» العلم هاشم اتاسي ح1
» العلم الشيخ طاهر الاتاسي ح2
» العلم الشيخ ابو كمال
» قصة العلم التركي
» العلم هاشم اتاسي ح1
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى