كتاب يصف صورة الاتراك لدى العرب بتحليل واقعي
صفحة 1 من اصل 1
كتاب يصف صورة الاتراك لدى العرب بتحليل واقعي
اراء النخب العربية اختلفت حول الاتراك - نصرت مردان
ابراهيم الداقوقي يرسم صورة الاتراك لدي العرب - الكتاب: صورة الاتراك لدي العرب
يأتي كتاب د. ابراهيم الداقوقي (صورة الاتراك لدي العرب) تكملة لكتابه الأول (صورة العرب لدي الاتراك) الذي اصدره قبل سنوات. اعتمد فيه كعادته علي تحليل المحللين السياسيين ومؤلفي الكتب المدرسية حول العرب، وقد أورد في الكتاب هذه الصورة بقوله: ... اذا كانت بعض الصحف التركية الرسمية، رسمت صورة قاتمة للعرب. وقالت ان العرب يقومون باستغلال الدين ويتدخلون في شؤون تركيا، ويؤيدون الارهاب ويطمعون في المياه والاراضي التركية ويضطهدون الاقليات التركية في البلدان العربية، فان ثمة مجموعة من الصحف التركية تساند القضايا العربية وتتعاطف مع العرب امام الهجمة الامبريالية الصهيونية ــ التبشيرية ضد العرب والمسلمين. ومن هنا فان هذه الصحف تركزت حول قضايا النضال العربي ضد القوي الطامعة في اراضيها وخيراتها والعاملة علي اعادة استعمار البلدان العربية أو تقسيمها مجدداً، سواء من حيث الدفاع او المساندة أو التأييد .
في كتاب (صورة الاتراك لدي العرب) يستخدم الداقوقي نظرية لازويل من حيث تقسيم مواضيع البحث الي موضوعات، والموضوعات الي رموز للتوصل الي النتائج من خلال ست خطوات في تحليل ملامح الصورة. وقد قام بجمع المعطيات وتصنيفها وتحليلها في 13 صحيفة يومية واسبوعية وشهرية وفصلية عربية لمدة ستة اشهر من خلال دراسة وتحليل الافتتاحيات والتعليقات والتحقيقات والاعمدة والانباء، اضافة الي مضمون المصدر غير الاعلامي.
اعتمد الداقوقي في رسم (صورة العرب لدي الاتراك) علي اربع فرضيات: فقد ذهبت الفرضية الاولي الي تأكيد الوصاية الفكرية التي فرضتها السلطات السياسية العربية في جعل الاعلام العربي يتحول الي بوق لسيده، واعلام يلهث وراء الاعلام الغربي من حيث المضمون والسياسات بدلاً من ان يكون اعلاماً مستقلاً ومبدعاً له هويته وشخصيته.
أما الفرضية الثانية فذهبت الي التأكيد علي وجود صورتين سلبية وايجابية للأتراك لدي النخب السياسية والفكرية العربية. حيث ان معظم دعاة الفكر القومي في المشرق العربي، يعتبرون الحكم العثماني للبلاد العربية استعماراً تركيا. كما انهم يصفون الفترة العثمانية بالتأخر والانحطاط. بينما النخبة السياسية والفكرية العربية في المغرب العربي يعدون الحكم العثماني للولايات العربية حماية لها من الغزو الاستعماري الغربي ــ الصليبي، وبذلك يرسمون صورة نمطية ايجابية عن الاتراك العثمانيين. كما ان معظم الشعب العربي وبعض النخب الفكرية والسلطوية العربية كما يؤكد ذلك المؤرخ العراقي سيار الجميل لا يحمل تلك الفكرة السلبية عن الاتراك .
الفرضية الثالثة قائمة علي التأكيد بأن الصورة السلبية المقولبة للنخب الفكرية والسياسية العربية والتركية، بعضها ضد بعض، نابعة من عدم الثقة الذي يحمله حكام كل طرف عن الآخر بسبب تراكمات الماضي، وانقطاع الصلة بينهما وعدم محاولتهما تطوير العلاقات بينهما بشكل أفضل. وانعكس ذلك عند انجاز الازمة السورية ــ التركية بسبب وجود اوجلان في سوريا، وتقديمها الدعم لحزب العمال الكردستاني والتي كادت تؤدي الي نشوب الحرب لولا تدخل بعض الحكام العرب لنزع فتيلة الحرب.
الفرضية الرابعة، قائمة علي وجود فجوة دينية ــ ثقافية بين العرب والاتراك والتي انعكست علي التيارات السياسية المختلفة التي نشأت فيها. خاصة بعد بروز التيار الديني القومي العلماني في تركيا في حين استمر التيار الديني التقليدي في البلاد العربية. وكنتيجة لهذه الفجوة، اتهم الاتراك العرب بمساندة الارهاب الاصولي ضد تركيا العلمانية، في حين قامت التيارات القومية العروبية والاسلامية بوصف الدولة التركية الحديثة بدولة اليهود التي تأتمر بأوامر واشنطن وتل أبيب. انعكست آثار هذا الفرز السياسي علي العلاقات الثنائية في مجالات الأمن القومي والتنمية الوطنية والثقافية، وخلقت صورة نمطية مقولبة سلبية لدي بعضهما البعض.
يؤكد الداقوقي بأن الباحث أو المؤرخ الذي ينظر العلاقات العربية ــ التركية بمنظار الاحكام المسبقة الواردة في الفرضيات الأربع، يقوم بتحليلها انطلاقاً من ايديولوجيته هو، وليس من معطيات تحليل المضمون الاعلامي أو رصد الظاهرة التاريخية، لذلك يقع في مصيدة الجهل والتحيز وترديد شعارات ايديولوجية معدة سلفاً، لجهله بضرورة حياد الباحث الاعلامي لتستقر افكاره وابحاثه في هاوية الاتهامات الرخيصة.
في الفصل الأول المعنون (العوامل المؤثرة في تشكيل صورة الاتراك لدي العرب) يري الدكتور ابراهيم الداقوقي بان العلاقات العربية ــ التركية امتازت عبر تاريخها بالاتفاق والاختلاف والصراع منذ بداية القرن العشرين، بحيث اصبحت المصالح الناجمة عن الجوار مصادر القلق لكلا الطرفين. يرجع الداقوقي اول اتصال للعرب بالاتراك الي عام 54 هـ، عندما عبر القائد عبدالله بن زياد والي خراسان (زمن معاوية بن ابي سفيان) نهر جيحون واستولي علي بخاري ورامدين وبيكند من بلاد الترك في ما وراء النهر، حيث اختار ألفي مقاتل من رماة النشاب الشجعان وأرسلهم الي العراق حيث اسكنهم البصرة. وعلي مدي ألف ومائتين عاماً من اقامة الامبراطورية العربية الاسلامية وحتي سقوط الامبراطورية العثمانية 1918، تمكن الاتراك بعد امتزاجهم الحضارة الاسلامية من اقامة العديد من الامبراطوريات السياسية تمتد من الصين حتي البحر الابيض المتوسط، حيث تمكن الأتراك المسلمون من السيطرة علي الجزء الأعظم من العالم القديم لفترة ستة قرون والشرق الأوسط طيلة ألف عام تقريباً.
يحدد الداقوقي: الأمن القومي، الموقف من الاحلاف العسكرية ومن الاتحاد السوفييتي، القضية الفلسطينية والقضية القبرصية كمتغيرات سياسية في العلاقات العربية ــ التركية خلال الخمسينيات، وحتي منتصف الستينيات. كما يتناول هذا الفصل صورة الاتراك بين الارث العثماني وايديولوجية الدول الحديثة، حيث يركز علي اتصال العرب بالاتراك بعد ان اصبحوا جزاءاً من الخلافة العباسية، وقام اشرافهم بتزويج بناتهم بالخلفاء، الأمر الذي كفل لهم ان يكونوا القومية الثانية المتنفذة بعد العرب في الامبراطورية الاسلامية، مما دفع الجاحظ الي تأليف كتابه المعروف عنهم (فضائل الأتراك)، بتصويرهم كحماة للاسلام بعد تقاسمهم الصراع مع العرب ضد الصليبيين.
ويذكر الداقوقي في هذا الفصل ايضاً، بأن جميع التيارات الفكرية المتطاحنة في الامبراطورية العثمانية ــ عدا العلمانية ــ بقيت تحترم فكرة الخلافة، كما احتفظ معظم العرب والمسلمين بصورة ايجابية عن الخليفة العثماني رغم ثورة الشريف علي بن الحسين ضد الاتحاديين في الحرب العالمية الاولي. واستمر الدعاء لخليفة المسلمين في مساجد الحجاز لمدة عام كامل بعد الثورة العربية. لكن هذه الصورة تغيرت بعد تبني آتاتورك مبدأ العلمانية كأيديولوجية رسمية للدولة، مما ساهم في قطع جذور الثقافة التركية بالتراث الاسلامي ــ الشرقي من جهة، والي الاتجاه كلياً نحو الثقافة والفكر الغربي من جهة اخري. كما ان اندفاع تركيا بعد وفاة آتاتورك نحو الأحلاف العسكرية، ساهم في تغريب تركيا، وادي لدي النخبة السياسية والمثقفة في البلاد العربية نتيجة المتغيرات في المنطقة ودور الاعلام الصهيوني الي عزلة تركيا، ويمضي الدكتور الداقوقي في تحليله الي ان اعتراف تركيا كأول دولة اسلامية باسرائيل في 1948، وانتمائها الي منظومة الدفاع الغربي خلال الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي والمشاركة عام 1951 في الحرب الكورية، ورفضها لقرار تأميم قناة السويس، وتصويتها ضد استقلال الجزائر ومعارضتها للوحدة بين مصر وسوريا أثرت علي صورتها لدي العرب. لكن التطورات التي حدثت بعد هزيمة حزيران 1967 واتخاذ تركيا موقفاً رافضاً لضم اي جزء من الاراضي التي احتلتها اسرائيل، ودعوتها الي الانسحاب الفوري من كافة الاراضي المحتلة، وقيامها باغلاق مكتب اسرائيل السياسي في تركيا عام 1968، والغاء اتفاقياتها التجارية مع اسرائيل 1969 ومطالبتها بتطبيق قرار الأمم المتحدة 242 و338 بعد حرب اكتوبر 1973، والتعاطف الشعبي التركي مع العرب والقضية الفلسطينية، ادت الي تحسين صورة الاتراك لدي الرأي العام العربي الي درجة كبيرة، بحيث قامت كل من العراق وليبيا والسعودية بتزويد تركيا بالنفط عام 1974 خلال تدخل قواتها في جزيرة قبرص واعلان امريكا حظر الاسلحة علي تركيا خلالها.
ويشير الدكتور ابراهيم الداقوقي في الفصل الثاني (تحولات الصورة التركية في الدراسات العربية الحديثة) الي (صورة الاتراك لدي القوميين العرب) بأن القوميين العلمانيين العرب يقيمون الحكم العثماني باعتباره (استعمار تركي) مشيراً الي ان الدكتور جورج كلاس يصف هذا الحكم بانه كبت وقيد الحريات، وطمس التراث وازهق الارواح، وأذل وقهر الشعب. وان العثمانيين كانوا محتلين. كما ينقل الداقوقي رؤية الدكتور محمد أنيس، في ان العثمانيين لم يدخلوا اي تغيير ذي بال علي مصر بسبب عدم تمتعهم بأي رصيد حضاري. وعلي هذا الأساس فالاتراك برابرة وغزاة وتتار القرن العشرين، حسب احمد صدقي الدجاني، كما ان دعوة تورغوت اوزال (رئيس الجمهورية الأسبق) الي العثمانية الجديدة، لا تمثل إلا الجانب الامبريالي للحكم العثماني وتحالفه مع القوي الامبريالية، حسب رأي طلعت مسلم. ويري خالد زيادة، ان القومية التركية لم تستخدم الخطاب المناهض للامبريالية.
علي النقيض من هذه الآراء فان التيار العربي الاسلامي الممثل بالأمير شكيب ارسلان واحمد فارس شدياق، ومحمد عبده ومحمود شكري الألوسي ومعظم رواد النهضة ومفكري شمال افريقيا، يحتفظون بصورة ايجابية عن الاتراك بكونهم، حماة دار الاسلام من اخطار التوسع الصليبي البرتغالي ــ الاسباني. كما يري المؤرخ والمفكر العراقي سيار الجميل، ان التيارات الوطنية والقومية العربية، استمدت مرجعياتها من تأثيرات عثمانية دستورية حرة أو تأثيرات اوروبية جسدت الخطاب العربي المعاصر.
وعن صورة الاتراك في وسائل الاعلام العربية، يخلص الدكتور الداقوقي بان الأتراك في كتاب (صورة التركي في الشعر العربي الحديث) لنعيم اليافي وماهر المنجد، هم (جهلة ووحوش أبادوا بوحشيتهم التي تفوق كل وصف جزء كبيراً من الحضارة العربية والانسانية). رغم انهم (اي الاتراك) كما يقول الداقوقي، لهم خطهم المعروف بـ(اورخون) المؤلف من 38 حرفاً كتبوا بها مسلاتهم التي نصبوها في 732م، ولهم اساطيرهم الشعبية التي تتحدث عن انحدارهم من صلب (الذئب الاغبر ــ بوزقورت) التي تتحدث عن تطلعات الأتراك وآمالهم وحروبهم مع الصين الذين بنوا سد الصين لصد غارات الاتراك بعد احتلالهم لعاصمتهم بكين عام 200م وتغيير اسمها الي خان باليق (سوق السمك) كما اطلقت المصادر الصينية علي الأتراك تسمية (توك ــ يو) التي تعني القوم الشديدي البأس.
ويمضي الداقوقي الي تحديد ثلاث مواجهات بين العرب والترك خلال الحقب التاريخية الطويلة، كانت لها آثارها السلبية والايجابية في عملية التثاقف بينهما من جهة أخري:
1 ــ المواجهة الأولي جرت من بدء الفتوحات العربية، وايمان الأتراك بالدين الاسلامي.
2 ــ المواجهة الثانية ثورة الشريف الحسين بن علي ضد العثمانيين. وما تزال هذه الصورة النمطية المقولبة السلبية قائمة في ذاكرة القوميين العرب والاتراك علي حد سوآء رغم مرور ما يقارب القرن علي ذلك.
3 ــ المواجهة الثالثة ناتجة عن اتباع سياسة خارجية تتجاهل العرب منذ اربعينيات القرن المنصرم، وتتحالف مع خصومهم بهدف كسب الهوية الاوروبية، مقابل تجاهلها لهويتها الشرقية ــ الاسلامية، وقيامها باجتياح شمال العراق منذ حرب الخليج 1991 لمواجهة نشاط حزب العمال الكردستاني، ودخولها اتفاقيات عسكرية مع اسرائيل، وانسجام سياستها مع الاستراتيجية الامريكية الي المنطقة. وقد ساهمت هذه المواجهات في تراكم وتناقض الصورة النمطية المقولبة لدي النخب الفكرية والسياسية العربية وانعكست في وسائل الاعلام المختلفة.
يري الدكتور الداقوقي في بحثه عن (صورة الاتراك في الأدب، الشعر العربي نموذجاً) اختلاف اراء النخب الثقافية والحاكمة حول الأتراك. المثير ان معظم القصائد التي قيلت بعد انقلاب الاتحاديين في 1908 تضمنت الشكوي من تقلبات الدهر وألم الفراق، رغم انتقاداتها المريرة للأتراك، لأن معظم شعراء العرب كانوا مؤيدين للعثمانيين أو راغبين في استمرار العلاقات معهم في اطار وشائج الدين والتاريخ. ويبدو ذلك من خلال ما قاله خلدون الحصري، تأسيساً علي رأي والده رائد القومية العربية ساطع الحصري (ان الاتراك كانوا يحترمون اللغة العربية). كما يذكر د. عبد الجليل التميمي (ان العثمانيين حموا اللغة العربية ودافعوا عنها، واستعملوها كوسيلة لانتاجهم الفقهي والتاريخي امر لا نزاع فيه البتة). كما ان الشاعر احمد شوقي اكثر الشعراء العرب تناولاً في قصائده لموضوع الاتراك والعثمانيين. اضافة الي فارس الخوري وعبد المحسن الكاظمي والشيخ محمد رضا الشبيبي وحسين مجيب المصري وصالح علي العمري. ويري الداقوقي، انه يمكن تصنيف الشعراء الي مجموعتين: مجموعة افرطوا في التعصب، والمجموعة الثانية قدموا صوراً ايجابية للأتراك قائمة علي المديح والثناء من خلال وصفهم بالخلفاء والحماة. بينما القصائد العربية التي قيلت خلال 1909 ــ 1924 تحمل نبرة النقد والتجريح وايراد الاوصاف السلبية عنهم، كالمستبد والباغي والسفاك والسفاح.. إلا ان الداقوقي يؤكد ان الشعراء لم يصفوا الشعب التركي بأية صفة رديئة لان المقصود في تلك القصائد هم الحكام. وحالة عدم الثقة المتبادلة بين الزعماء والأتراك لا تنسحب علي ابناء الشعبين العربي والتركي.
في الفصل الرابع من الكتاب يتناول الداقوقي (صورة الاتراك في الكتب المدرسية العربية) كتب التاريخ التي تدرس في الأردن وتونس، ويتوصل الي ما يلي:
1 ــ عدم ورود كلمة نقد واحدة حول الخلافة العثمانية كمؤسسة اسلامية ولا حول الخلفاء العثمانيين في الكتب المدرسية التونسية، بينما تؤكد الكتب المدرسية الأردنية لدي تناولها لأحداث الثورة العربية الكبري، الي ان السلطان سليم الأول اغتصب الخلافة العربية. بينما يري المؤلفون في تونس، ان الخلافة انتقلت الي السلطان عملياً وهو اجدر بها.
2 ــ اتفاق المؤلفين في تونس والأردن علي ان الفتح العثماني للبلاد العربية كان انقاذاً لها من السيطرة الاجنبية. ويري التونسيون علي خلاف مؤلفي الكتب المدرسية الأردنية اهمية العنصر الديني في نظام الحكم العثماني، اضافة الي تطهير تونس من حكم الاسبان.
3 ــ اتفاق الكتاب التونسيين والأردنيين علي تسامح العثمانيين في بداية حكمهم، واختلافهم في فترة حكمهم الاخيرة. استمر التونسيون في النظرة الايجابية للعثمانيين حتي الاحتلال الاجنبي لبلادهم. بينما يري الأردنيون ان سياسة التتريك التي أثارت العرب ضد العثمانيين جاءت بعد وصول جمعية الاتحاد والترقي للحكم في 1908.
4 ــ يشير التونسيون الي الوجه المشرق البنّاء للحكم العثماني في بلادهم التي عاشت ازدهاراً اقتصادياً في العهد العثماني بازدهار الحركة الصناعية والتجارية في المدن، بينما تشير الكتب المدرسية الاردنية الي تدهور الحالة الاقتصادية والاجتماعية في الولايات العربية.
ويخلص الدكتور ابراهيم الداقوقي الي تحديد النتائج في نهاية دراسته الي ان هناك صورتين للأتراك لدي العرب: صورة سلبية تحتفظ بها ذاكرة النخب الفكرية العربية في المشرق العربي حول الأتراك في انهم لم يكونوا اكثر من مستعمرين، مستبدين، غزاة، قساة... الخ مقابل صورة ايجابية للأتراك لدي مثقفوا وحكام المغرب العربي باعتبارهم حماة الاسلام والبلاد العربية ضد الاستعمار الصليبي والتجزئة الصهيونية في شمال افريقيا الي الخليج العربي. أما الصورة الايجابية فهي عدم عكس الصورة السلبية علي الشعب التركي.
كما توصل الداقوقي الي ان الشكوك المتبادلة بين العرب والاتراك بقيام كل منهما بتهديد الأمن القومي للآخر، هي تأكيد علي صحة الفرضية الثالثة. وأظهرت النتائج ان الانطباع السيء عن الاتراك يعود الي الكتب المدرسية بالدرجة الأولي ومن ثم الي المسلسلات التلفزيونية او المسرحيات او الافلام التي تتناول حياة العرب في العهد العثماني. وقد اكدت نتائج الدراسة الي ان هناك ميلاً قوياً لدي القومية الوطنية العربية والتركية لتجاوز الفجوة الدينية ــ الثقافية من اجل تطوير العلاقات بينهما وفق مبادئ اقتصاد السوق تجارياً، وتطبيق التوليف القومي ــ الاسلامي ــ العلماني المعتدل سياسياً، حيث ان التطورات السياسية تؤثر سلباً وايجاباً علي العلاقات التركية ــ العربية بما يخدم مصالحهما في المنطقة ويحقق السلام والأمن والاستقرار فيها. وفي نهاية الكتاب يرد الداقوقي علي سؤال كبير وهام: العلاقات العربية ــ التركية الي اين؟ يتحدث فيها عن التاريخ السياسي لتركيا بعد آتاتورك علي ضوء التحولات في الستينيات ومعطيات حرب الخليج الأولي والثانية، وترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الاسلامي.
انطلق الداقوقي في كتابه من نقطة الادراك بأن المطلوب من الباحث اضافة الي اعتماده علي مضمون البحث الذي يتطلب من الباحث بالدرجة الأولي حياد الباحث بهدف التوصل الي النتائج العلمية، فنجح في ذلك نجاحاً مشهوداً يعزز قدرته كباحث موضوعي، قادر علي سبر غور المواضيع التي يتناولها مهما كانت حساسة وشائكة.
اعترف ان مثل هذا العرض الموجز لكتاب (صورة الاتراك لدي العرب) للدكتور ابراهيم الداقوقي لا يوفي هذا الكتاب المهم حقه والذي يتناول فيه المؤلف بحيادية الباحث الموضوعي في فصول الكتاب ومحاوره، مديات واسعة وبكم هائل من المعلومات لرسم صورة الاتراك لدي العرب عبر الخوض في مراحل تاريخية مهمة وحاسمة في حياة الشعبين. ولعل أهمية الكتاب ستزداد علي ضوء تناول القارئ له وفق المتغيرات السياسية المتلاحقة في عالمنا.
جريدة (الزمان) العدد
ابراهيم الداقوقي يرسم صورة الاتراك لدي العرب - الكتاب: صورة الاتراك لدي العرب
يأتي كتاب د. ابراهيم الداقوقي (صورة الاتراك لدي العرب) تكملة لكتابه الأول (صورة العرب لدي الاتراك) الذي اصدره قبل سنوات. اعتمد فيه كعادته علي تحليل المحللين السياسيين ومؤلفي الكتب المدرسية حول العرب، وقد أورد في الكتاب هذه الصورة بقوله: ... اذا كانت بعض الصحف التركية الرسمية، رسمت صورة قاتمة للعرب. وقالت ان العرب يقومون باستغلال الدين ويتدخلون في شؤون تركيا، ويؤيدون الارهاب ويطمعون في المياه والاراضي التركية ويضطهدون الاقليات التركية في البلدان العربية، فان ثمة مجموعة من الصحف التركية تساند القضايا العربية وتتعاطف مع العرب امام الهجمة الامبريالية الصهيونية ــ التبشيرية ضد العرب والمسلمين. ومن هنا فان هذه الصحف تركزت حول قضايا النضال العربي ضد القوي الطامعة في اراضيها وخيراتها والعاملة علي اعادة استعمار البلدان العربية أو تقسيمها مجدداً، سواء من حيث الدفاع او المساندة أو التأييد .
في كتاب (صورة الاتراك لدي العرب) يستخدم الداقوقي نظرية لازويل من حيث تقسيم مواضيع البحث الي موضوعات، والموضوعات الي رموز للتوصل الي النتائج من خلال ست خطوات في تحليل ملامح الصورة. وقد قام بجمع المعطيات وتصنيفها وتحليلها في 13 صحيفة يومية واسبوعية وشهرية وفصلية عربية لمدة ستة اشهر من خلال دراسة وتحليل الافتتاحيات والتعليقات والتحقيقات والاعمدة والانباء، اضافة الي مضمون المصدر غير الاعلامي.
اعتمد الداقوقي في رسم (صورة العرب لدي الاتراك) علي اربع فرضيات: فقد ذهبت الفرضية الاولي الي تأكيد الوصاية الفكرية التي فرضتها السلطات السياسية العربية في جعل الاعلام العربي يتحول الي بوق لسيده، واعلام يلهث وراء الاعلام الغربي من حيث المضمون والسياسات بدلاً من ان يكون اعلاماً مستقلاً ومبدعاً له هويته وشخصيته.
أما الفرضية الثانية فذهبت الي التأكيد علي وجود صورتين سلبية وايجابية للأتراك لدي النخب السياسية والفكرية العربية. حيث ان معظم دعاة الفكر القومي في المشرق العربي، يعتبرون الحكم العثماني للبلاد العربية استعماراً تركيا. كما انهم يصفون الفترة العثمانية بالتأخر والانحطاط. بينما النخبة السياسية والفكرية العربية في المغرب العربي يعدون الحكم العثماني للولايات العربية حماية لها من الغزو الاستعماري الغربي ــ الصليبي، وبذلك يرسمون صورة نمطية ايجابية عن الاتراك العثمانيين. كما ان معظم الشعب العربي وبعض النخب الفكرية والسلطوية العربية كما يؤكد ذلك المؤرخ العراقي سيار الجميل لا يحمل تلك الفكرة السلبية عن الاتراك .
الفرضية الثالثة قائمة علي التأكيد بأن الصورة السلبية المقولبة للنخب الفكرية والسياسية العربية والتركية، بعضها ضد بعض، نابعة من عدم الثقة الذي يحمله حكام كل طرف عن الآخر بسبب تراكمات الماضي، وانقطاع الصلة بينهما وعدم محاولتهما تطوير العلاقات بينهما بشكل أفضل. وانعكس ذلك عند انجاز الازمة السورية ــ التركية بسبب وجود اوجلان في سوريا، وتقديمها الدعم لحزب العمال الكردستاني والتي كادت تؤدي الي نشوب الحرب لولا تدخل بعض الحكام العرب لنزع فتيلة الحرب.
الفرضية الرابعة، قائمة علي وجود فجوة دينية ــ ثقافية بين العرب والاتراك والتي انعكست علي التيارات السياسية المختلفة التي نشأت فيها. خاصة بعد بروز التيار الديني القومي العلماني في تركيا في حين استمر التيار الديني التقليدي في البلاد العربية. وكنتيجة لهذه الفجوة، اتهم الاتراك العرب بمساندة الارهاب الاصولي ضد تركيا العلمانية، في حين قامت التيارات القومية العروبية والاسلامية بوصف الدولة التركية الحديثة بدولة اليهود التي تأتمر بأوامر واشنطن وتل أبيب. انعكست آثار هذا الفرز السياسي علي العلاقات الثنائية في مجالات الأمن القومي والتنمية الوطنية والثقافية، وخلقت صورة نمطية مقولبة سلبية لدي بعضهما البعض.
يؤكد الداقوقي بأن الباحث أو المؤرخ الذي ينظر العلاقات العربية ــ التركية بمنظار الاحكام المسبقة الواردة في الفرضيات الأربع، يقوم بتحليلها انطلاقاً من ايديولوجيته هو، وليس من معطيات تحليل المضمون الاعلامي أو رصد الظاهرة التاريخية، لذلك يقع في مصيدة الجهل والتحيز وترديد شعارات ايديولوجية معدة سلفاً، لجهله بضرورة حياد الباحث الاعلامي لتستقر افكاره وابحاثه في هاوية الاتهامات الرخيصة.
في الفصل الأول المعنون (العوامل المؤثرة في تشكيل صورة الاتراك لدي العرب) يري الدكتور ابراهيم الداقوقي بان العلاقات العربية ــ التركية امتازت عبر تاريخها بالاتفاق والاختلاف والصراع منذ بداية القرن العشرين، بحيث اصبحت المصالح الناجمة عن الجوار مصادر القلق لكلا الطرفين. يرجع الداقوقي اول اتصال للعرب بالاتراك الي عام 54 هـ، عندما عبر القائد عبدالله بن زياد والي خراسان (زمن معاوية بن ابي سفيان) نهر جيحون واستولي علي بخاري ورامدين وبيكند من بلاد الترك في ما وراء النهر، حيث اختار ألفي مقاتل من رماة النشاب الشجعان وأرسلهم الي العراق حيث اسكنهم البصرة. وعلي مدي ألف ومائتين عاماً من اقامة الامبراطورية العربية الاسلامية وحتي سقوط الامبراطورية العثمانية 1918، تمكن الاتراك بعد امتزاجهم الحضارة الاسلامية من اقامة العديد من الامبراطوريات السياسية تمتد من الصين حتي البحر الابيض المتوسط، حيث تمكن الأتراك المسلمون من السيطرة علي الجزء الأعظم من العالم القديم لفترة ستة قرون والشرق الأوسط طيلة ألف عام تقريباً.
يحدد الداقوقي: الأمن القومي، الموقف من الاحلاف العسكرية ومن الاتحاد السوفييتي، القضية الفلسطينية والقضية القبرصية كمتغيرات سياسية في العلاقات العربية ــ التركية خلال الخمسينيات، وحتي منتصف الستينيات. كما يتناول هذا الفصل صورة الاتراك بين الارث العثماني وايديولوجية الدول الحديثة، حيث يركز علي اتصال العرب بالاتراك بعد ان اصبحوا جزاءاً من الخلافة العباسية، وقام اشرافهم بتزويج بناتهم بالخلفاء، الأمر الذي كفل لهم ان يكونوا القومية الثانية المتنفذة بعد العرب في الامبراطورية الاسلامية، مما دفع الجاحظ الي تأليف كتابه المعروف عنهم (فضائل الأتراك)، بتصويرهم كحماة للاسلام بعد تقاسمهم الصراع مع العرب ضد الصليبيين.
ويذكر الداقوقي في هذا الفصل ايضاً، بأن جميع التيارات الفكرية المتطاحنة في الامبراطورية العثمانية ــ عدا العلمانية ــ بقيت تحترم فكرة الخلافة، كما احتفظ معظم العرب والمسلمين بصورة ايجابية عن الخليفة العثماني رغم ثورة الشريف علي بن الحسين ضد الاتحاديين في الحرب العالمية الاولي. واستمر الدعاء لخليفة المسلمين في مساجد الحجاز لمدة عام كامل بعد الثورة العربية. لكن هذه الصورة تغيرت بعد تبني آتاتورك مبدأ العلمانية كأيديولوجية رسمية للدولة، مما ساهم في قطع جذور الثقافة التركية بالتراث الاسلامي ــ الشرقي من جهة، والي الاتجاه كلياً نحو الثقافة والفكر الغربي من جهة اخري. كما ان اندفاع تركيا بعد وفاة آتاتورك نحو الأحلاف العسكرية، ساهم في تغريب تركيا، وادي لدي النخبة السياسية والمثقفة في البلاد العربية نتيجة المتغيرات في المنطقة ودور الاعلام الصهيوني الي عزلة تركيا، ويمضي الدكتور الداقوقي في تحليله الي ان اعتراف تركيا كأول دولة اسلامية باسرائيل في 1948، وانتمائها الي منظومة الدفاع الغربي خلال الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي والمشاركة عام 1951 في الحرب الكورية، ورفضها لقرار تأميم قناة السويس، وتصويتها ضد استقلال الجزائر ومعارضتها للوحدة بين مصر وسوريا أثرت علي صورتها لدي العرب. لكن التطورات التي حدثت بعد هزيمة حزيران 1967 واتخاذ تركيا موقفاً رافضاً لضم اي جزء من الاراضي التي احتلتها اسرائيل، ودعوتها الي الانسحاب الفوري من كافة الاراضي المحتلة، وقيامها باغلاق مكتب اسرائيل السياسي في تركيا عام 1968، والغاء اتفاقياتها التجارية مع اسرائيل 1969 ومطالبتها بتطبيق قرار الأمم المتحدة 242 و338 بعد حرب اكتوبر 1973، والتعاطف الشعبي التركي مع العرب والقضية الفلسطينية، ادت الي تحسين صورة الاتراك لدي الرأي العام العربي الي درجة كبيرة، بحيث قامت كل من العراق وليبيا والسعودية بتزويد تركيا بالنفط عام 1974 خلال تدخل قواتها في جزيرة قبرص واعلان امريكا حظر الاسلحة علي تركيا خلالها.
ويشير الدكتور ابراهيم الداقوقي في الفصل الثاني (تحولات الصورة التركية في الدراسات العربية الحديثة) الي (صورة الاتراك لدي القوميين العرب) بأن القوميين العلمانيين العرب يقيمون الحكم العثماني باعتباره (استعمار تركي) مشيراً الي ان الدكتور جورج كلاس يصف هذا الحكم بانه كبت وقيد الحريات، وطمس التراث وازهق الارواح، وأذل وقهر الشعب. وان العثمانيين كانوا محتلين. كما ينقل الداقوقي رؤية الدكتور محمد أنيس، في ان العثمانيين لم يدخلوا اي تغيير ذي بال علي مصر بسبب عدم تمتعهم بأي رصيد حضاري. وعلي هذا الأساس فالاتراك برابرة وغزاة وتتار القرن العشرين، حسب احمد صدقي الدجاني، كما ان دعوة تورغوت اوزال (رئيس الجمهورية الأسبق) الي العثمانية الجديدة، لا تمثل إلا الجانب الامبريالي للحكم العثماني وتحالفه مع القوي الامبريالية، حسب رأي طلعت مسلم. ويري خالد زيادة، ان القومية التركية لم تستخدم الخطاب المناهض للامبريالية.
علي النقيض من هذه الآراء فان التيار العربي الاسلامي الممثل بالأمير شكيب ارسلان واحمد فارس شدياق، ومحمد عبده ومحمود شكري الألوسي ومعظم رواد النهضة ومفكري شمال افريقيا، يحتفظون بصورة ايجابية عن الاتراك بكونهم، حماة دار الاسلام من اخطار التوسع الصليبي البرتغالي ــ الاسباني. كما يري المؤرخ والمفكر العراقي سيار الجميل، ان التيارات الوطنية والقومية العربية، استمدت مرجعياتها من تأثيرات عثمانية دستورية حرة أو تأثيرات اوروبية جسدت الخطاب العربي المعاصر.
وعن صورة الاتراك في وسائل الاعلام العربية، يخلص الدكتور الداقوقي بان الأتراك في كتاب (صورة التركي في الشعر العربي الحديث) لنعيم اليافي وماهر المنجد، هم (جهلة ووحوش أبادوا بوحشيتهم التي تفوق كل وصف جزء كبيراً من الحضارة العربية والانسانية). رغم انهم (اي الاتراك) كما يقول الداقوقي، لهم خطهم المعروف بـ(اورخون) المؤلف من 38 حرفاً كتبوا بها مسلاتهم التي نصبوها في 732م، ولهم اساطيرهم الشعبية التي تتحدث عن انحدارهم من صلب (الذئب الاغبر ــ بوزقورت) التي تتحدث عن تطلعات الأتراك وآمالهم وحروبهم مع الصين الذين بنوا سد الصين لصد غارات الاتراك بعد احتلالهم لعاصمتهم بكين عام 200م وتغيير اسمها الي خان باليق (سوق السمك) كما اطلقت المصادر الصينية علي الأتراك تسمية (توك ــ يو) التي تعني القوم الشديدي البأس.
ويمضي الداقوقي الي تحديد ثلاث مواجهات بين العرب والترك خلال الحقب التاريخية الطويلة، كانت لها آثارها السلبية والايجابية في عملية التثاقف بينهما من جهة أخري:
1 ــ المواجهة الأولي جرت من بدء الفتوحات العربية، وايمان الأتراك بالدين الاسلامي.
2 ــ المواجهة الثانية ثورة الشريف الحسين بن علي ضد العثمانيين. وما تزال هذه الصورة النمطية المقولبة السلبية قائمة في ذاكرة القوميين العرب والاتراك علي حد سوآء رغم مرور ما يقارب القرن علي ذلك.
3 ــ المواجهة الثالثة ناتجة عن اتباع سياسة خارجية تتجاهل العرب منذ اربعينيات القرن المنصرم، وتتحالف مع خصومهم بهدف كسب الهوية الاوروبية، مقابل تجاهلها لهويتها الشرقية ــ الاسلامية، وقيامها باجتياح شمال العراق منذ حرب الخليج 1991 لمواجهة نشاط حزب العمال الكردستاني، ودخولها اتفاقيات عسكرية مع اسرائيل، وانسجام سياستها مع الاستراتيجية الامريكية الي المنطقة. وقد ساهمت هذه المواجهات في تراكم وتناقض الصورة النمطية المقولبة لدي النخب الفكرية والسياسية العربية وانعكست في وسائل الاعلام المختلفة.
يري الدكتور الداقوقي في بحثه عن (صورة الاتراك في الأدب، الشعر العربي نموذجاً) اختلاف اراء النخب الثقافية والحاكمة حول الأتراك. المثير ان معظم القصائد التي قيلت بعد انقلاب الاتحاديين في 1908 تضمنت الشكوي من تقلبات الدهر وألم الفراق، رغم انتقاداتها المريرة للأتراك، لأن معظم شعراء العرب كانوا مؤيدين للعثمانيين أو راغبين في استمرار العلاقات معهم في اطار وشائج الدين والتاريخ. ويبدو ذلك من خلال ما قاله خلدون الحصري، تأسيساً علي رأي والده رائد القومية العربية ساطع الحصري (ان الاتراك كانوا يحترمون اللغة العربية). كما يذكر د. عبد الجليل التميمي (ان العثمانيين حموا اللغة العربية ودافعوا عنها، واستعملوها كوسيلة لانتاجهم الفقهي والتاريخي امر لا نزاع فيه البتة). كما ان الشاعر احمد شوقي اكثر الشعراء العرب تناولاً في قصائده لموضوع الاتراك والعثمانيين. اضافة الي فارس الخوري وعبد المحسن الكاظمي والشيخ محمد رضا الشبيبي وحسين مجيب المصري وصالح علي العمري. ويري الداقوقي، انه يمكن تصنيف الشعراء الي مجموعتين: مجموعة افرطوا في التعصب، والمجموعة الثانية قدموا صوراً ايجابية للأتراك قائمة علي المديح والثناء من خلال وصفهم بالخلفاء والحماة. بينما القصائد العربية التي قيلت خلال 1909 ــ 1924 تحمل نبرة النقد والتجريح وايراد الاوصاف السلبية عنهم، كالمستبد والباغي والسفاك والسفاح.. إلا ان الداقوقي يؤكد ان الشعراء لم يصفوا الشعب التركي بأية صفة رديئة لان المقصود في تلك القصائد هم الحكام. وحالة عدم الثقة المتبادلة بين الزعماء والأتراك لا تنسحب علي ابناء الشعبين العربي والتركي.
في الفصل الرابع من الكتاب يتناول الداقوقي (صورة الاتراك في الكتب المدرسية العربية) كتب التاريخ التي تدرس في الأردن وتونس، ويتوصل الي ما يلي:
1 ــ عدم ورود كلمة نقد واحدة حول الخلافة العثمانية كمؤسسة اسلامية ولا حول الخلفاء العثمانيين في الكتب المدرسية التونسية، بينما تؤكد الكتب المدرسية الأردنية لدي تناولها لأحداث الثورة العربية الكبري، الي ان السلطان سليم الأول اغتصب الخلافة العربية. بينما يري المؤلفون في تونس، ان الخلافة انتقلت الي السلطان عملياً وهو اجدر بها.
2 ــ اتفاق المؤلفين في تونس والأردن علي ان الفتح العثماني للبلاد العربية كان انقاذاً لها من السيطرة الاجنبية. ويري التونسيون علي خلاف مؤلفي الكتب المدرسية الأردنية اهمية العنصر الديني في نظام الحكم العثماني، اضافة الي تطهير تونس من حكم الاسبان.
3 ــ اتفاق الكتاب التونسيين والأردنيين علي تسامح العثمانيين في بداية حكمهم، واختلافهم في فترة حكمهم الاخيرة. استمر التونسيون في النظرة الايجابية للعثمانيين حتي الاحتلال الاجنبي لبلادهم. بينما يري الأردنيون ان سياسة التتريك التي أثارت العرب ضد العثمانيين جاءت بعد وصول جمعية الاتحاد والترقي للحكم في 1908.
4 ــ يشير التونسيون الي الوجه المشرق البنّاء للحكم العثماني في بلادهم التي عاشت ازدهاراً اقتصادياً في العهد العثماني بازدهار الحركة الصناعية والتجارية في المدن، بينما تشير الكتب المدرسية الاردنية الي تدهور الحالة الاقتصادية والاجتماعية في الولايات العربية.
ويخلص الدكتور ابراهيم الداقوقي الي تحديد النتائج في نهاية دراسته الي ان هناك صورتين للأتراك لدي العرب: صورة سلبية تحتفظ بها ذاكرة النخب الفكرية العربية في المشرق العربي حول الأتراك في انهم لم يكونوا اكثر من مستعمرين، مستبدين، غزاة، قساة... الخ مقابل صورة ايجابية للأتراك لدي مثقفوا وحكام المغرب العربي باعتبارهم حماة الاسلام والبلاد العربية ضد الاستعمار الصليبي والتجزئة الصهيونية في شمال افريقيا الي الخليج العربي. أما الصورة الايجابية فهي عدم عكس الصورة السلبية علي الشعب التركي.
كما توصل الداقوقي الي ان الشكوك المتبادلة بين العرب والاتراك بقيام كل منهما بتهديد الأمن القومي للآخر، هي تأكيد علي صحة الفرضية الثالثة. وأظهرت النتائج ان الانطباع السيء عن الاتراك يعود الي الكتب المدرسية بالدرجة الأولي ومن ثم الي المسلسلات التلفزيونية او المسرحيات او الافلام التي تتناول حياة العرب في العهد العثماني. وقد اكدت نتائج الدراسة الي ان هناك ميلاً قوياً لدي القومية الوطنية العربية والتركية لتجاوز الفجوة الدينية ــ الثقافية من اجل تطوير العلاقات بينهما وفق مبادئ اقتصاد السوق تجارياً، وتطبيق التوليف القومي ــ الاسلامي ــ العلماني المعتدل سياسياً، حيث ان التطورات السياسية تؤثر سلباً وايجاباً علي العلاقات التركية ــ العربية بما يخدم مصالحهما في المنطقة ويحقق السلام والأمن والاستقرار فيها. وفي نهاية الكتاب يرد الداقوقي علي سؤال كبير وهام: العلاقات العربية ــ التركية الي اين؟ يتحدث فيها عن التاريخ السياسي لتركيا بعد آتاتورك علي ضوء التحولات في الستينيات ومعطيات حرب الخليج الأولي والثانية، وترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الاسلامي.
انطلق الداقوقي في كتابه من نقطة الادراك بأن المطلوب من الباحث اضافة الي اعتماده علي مضمون البحث الذي يتطلب من الباحث بالدرجة الأولي حياد الباحث بهدف التوصل الي النتائج العلمية، فنجح في ذلك نجاحاً مشهوداً يعزز قدرته كباحث موضوعي، قادر علي سبر غور المواضيع التي يتناولها مهما كانت حساسة وشائكة.
اعترف ان مثل هذا العرض الموجز لكتاب (صورة الاتراك لدي العرب) للدكتور ابراهيم الداقوقي لا يوفي هذا الكتاب المهم حقه والذي يتناول فيه المؤلف بحيادية الباحث الموضوعي في فصول الكتاب ومحاوره، مديات واسعة وبكم هائل من المعلومات لرسم صورة الاتراك لدي العرب عبر الخوض في مراحل تاريخية مهمة وحاسمة في حياة الشعبين. ولعل أهمية الكتاب ستزداد علي ضوء تناول القارئ له وفق المتغيرات السياسية المتلاحقة في عالمنا.
جريدة (الزمان) العدد
زائر- زائر
رد: كتاب يصف صورة الاتراك لدى العرب بتحليل واقعي
والله مقلة كبيرة وباين عليها هامة لهيك كبرتها اخي سيربستماهيك
على كل حال مارح احكم عليها قبل ما اتمعن فيها
على كل حال مارح احكم عليها قبل ما اتمعن فيها
الكاشغري- Ast çavuş
- عدد الرسائل : 78
العائلة التركمانية : oğuz Kınık
تاريخ التسجيل : 02/04/2008
مواضيع مماثلة
» العرب والإسلام في أوزبكستان كتاب رائع للتحميل
» للتحميل...كتاب تعليم اللغة التركية للمبتدئين العرب
» اسم قاز عند الاتراك
» خبر صاعق لكل الاتراك
» الاتراك الطبغاج
» للتحميل...كتاب تعليم اللغة التركية للمبتدئين العرب
» اسم قاز عند الاتراك
» خبر صاعق لكل الاتراك
» الاتراك الطبغاج
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى