الظاهر بيبرس وما قيل في حقه

كان حزام السهوب الكبير في شمالي البحر الأسود والشمال الشرقي منه مجال استيطان شعوب تركية كان يطلق عليها في الشرق منذ العصور القديمة اسم قبجاق أو قفجاق وكان هذا الشعب نفسه يطلق عليه الأوربيين اسم كوماني والروس اسم بولوفتسي.

وفي سياق أشكال النزاع مع شاه خوارزم محمد الثاني أصدر جنكيز خان أمراً إلى قائده سوبوداي بالقيام بحملة أولى في سهوب القبجاق وفي نهاية عام 1222 م. سار سوبوداي إلى الغرب فأخضع أول الأمر آلانن وضرب بعدهم الكومان (القبجاق)، وفي كانون الثاني عام 1223 م. قامت العصابات المغولية أول مرة بنهب القرم، غبر أنها عادت للإنسحاب من هذه المنطقة بعد ذلك. وكان باتو خان أول من أخضع الكومان (القبجاق) عام 1238 م. ليؤمن غزواته والإرتباط بمجمل مملكة المغول. وقد ذاب الكومان (القبجاق) في الحقبة التالية في معظمهم في مملكة المغول التي كانت تمثل القبيلة الذهبية والتي نقل إليها فيما بعد في بعض الأحيان اسم القبجاق.

وفي هذا السهب من جنوبي روسيا، ولد بيبرس تابعاً لعشيرة من القبجاق وتتذبذب البيانات حول تاريخ ولادته في المراجع التاريخية وفي المراجع المختصّة الحديثة.

يأتي شمس الدين الذهبي في روايته من العام 1277م. على الحديث عن وفاة السلطان بيبرس ويذكر في هذا الصدد أن بيبرس توفي بعد حكم دام سبعة عشر عاماً عن عمرٍ بلغ سبعةً وخمسين عاماً ويفيد ذلك أن بيبرس ولد عام 1220 م. وهذا ما يقابل بيان ابن الفوطي الذي يفيد أن بيبرس بلغ من العمر الستين.

أما ابن تنغري بردي الذي يكتب في القرن الخامس عشر فيحدد ولادة بيبرس بالعام 1223 م. وذلك بموجب عرض لم يفصل فيه كثيراً وهذا البيان يتابعه (سبرنهايم) وفي الآونة الأخيرة أيضاً (فيت) .

لكن ابن تغري بردي يواصل النقل فيما بعد أيضاً عن ابن شداد الذي يمثل كتابه (حياة بيبرس) أحد أهم مراجعنا عن تاريخ السلطان وكان في وسع ابن شداد كونه معاصراً للسلطان بيبرس أن يعتمد على شهادة الأمير بدر الدين بيسري الشمسي الذي تفيد أقواله أنه كان ينتمي مثل بيبرس إلى القبجاق ووقع مثله في الرق ولكن رواية بدر الدين بيسري تفيد أن بيبرس ولد عام 1227 – 1228 م. وقد أخذ بهذا التاريخ عبد العزيز الخويطر في دراسته الوجيزة عن السلطان مثلما أخذ بها كما يظهر أيضا (ليونز) الذي يرد عنه أن بيبرس ولد عام 1229 م.

أما محي الدين بن عبد الظاهر الذي قام بصفته كاتب سر السلطان على النحو نفسه بكتابه سيرة لبيبرس وكانت تتاح له المرة بعد الأخرى بهذا الحسبان أخبار شخصية عن سيده فيكتفي بالإشارة المقتضبة عن أن بيبرس كان تركياً وهو قولٌ أخذ به معظم كتّاب الحوليات اللاحقين على إيجازه.

ويتابع ابن شداد في روايته عن أصل السلطان وصباه ، فيصف كيف قررت عشيرته القبجاقية التي كان بيبرس ينتمي إليها أن تغادر بلادها خوفاً من هجمة مغولية متجددة عام 1241 – 1242 م. واتمست اللجوء من أنس خان أمير إحدى القبائل التركمانية الذي أغار عليهم –أي أنس خان- وقادهم إلى الإسترقاق وكان بيبرس وقتها في الرابعة عشر من عمره .

وجيئ بالأسير – بيبرس – عبر سيفاز في آسيا الصغرى (الأناضول) إلى أسواق العبيد الشامية ، ويوصف بيبرس أنه كان رجلاً طويل القامة قوي الصوت أسمر لون البشرة أزرق العينين التين كانت في إحداهما بقعة بيضاء صغيرة في مثل حجم أذن الإبرة وكانت سبباً لعدم بيعه عدة مرات .

أما أن بيبرس كان من أصل تركي فذلك ما يذكر أيضاً في المراجع المكتوبة باليونانية واللاتينية والفرنسية القديمة ومنها (ألوجيزا) للراهب الدومينيكاني وليم الطرابلسي وفي الحوليات أيضاً كذلك وفي بطولات القبارصة للمؤلف الأرمني (هيتون) وقد كتب كلا العملين التاريخيين المذورين في أيام حياة بيبرس، أحدهما في الأرض المقدسة، والآخر في إرفورت البعيدة.

أما المرجعان الذان تم تدوينهما بالفرنسية القديمة، فيتخطيان في معلوماتهما عن موضوع أصل بيبرس أخبار كلا العرضين السابقين إذ لا يمكن أن يكونا استمداها منهما وحدهما.

أما كتاب (بطولات القبارصة) فيظل من النصف الثاني من القرن الثالث عشر خالياً إلى حدٍّ بعيد من الاستعارات من مراجع أخرى، والمؤلف يقدم معلومات مستقلة.

أما عن أصل بيبرس فذلك ما يعرفه وليم الدومينيكاني على الوجه الصحيح، وهو أنه كان من أصل تركي (جندي تركي خدم في مصر وصار سلطاناً) غير أنه لا يعرّف شيئاً عن ارتقاء بيبرس اللاحق في خدمة الأيوبيين.

وقد كتب كاتب الحوليات (الإيرفورتي) يقول : {جندي ذهب من بابل إلى مصر واسمه ميلكازار} وهنا يقرر الكاتب أنه كان يعرف أصل بيبرس التركي ويستعمل استعمال المتلعثم اسم الحاكم الذي أضيف إليه بعد توليه العرش وهو الملك الظاهر (ميلكازار).

وأكثر ما يروى عن أصل بيبرس ما يرويه (هيثوم) الأمير الأرمني، إذ يذكر أن بيبرس يرجع إلى الكومان (الأتراك القبجاق) الذين بيعوا لمصر، والذين تم تدريبهم هناك ليكونوا من الأرقاء المختصين بالحرب وأن رتل الكومان (الأترك القبجاق) السائد في ذلك الوقت كان يشار إليه باسم كيبتشاك.

وقد عرف المؤرخ البيزنطي غيورغيوس باخيميريس (1242 – 1310م.) بيبرس على أنه تركي حيث يكتب في سرده عن سيرته {إن المسألة تتعلق في صدد السلطان الذي كان له علاقة بالإمبراطور ميخائيل الثامن (1259 – 1282 م.) وكان – أي السلطان – كومانياً (قبجاقياً) بيع فيما سلف رقيقاً.

المصدر :

كتاب : الظاهر بيبرس : إسهام في تاريخ الشرق الادنى في القرن الثالث عشر

تأيف : بيتر توراو

ترجمه عن الألمانية : محمد جديد

مراجعة وتقديم : أحمد حطيط

تصميم الغلاف : نبيل المالح

إخراج : طارق صبح

الطبعة : الثانية أيلول / سبتمبر 2002 م.

يمكنك اقتناء الكتاب من دار المعرفة مقابل جسر فكتوريا

التوزيع في سوريا : قدمس للنشر والتوزيع

ص ب . 6177

دار المهندسين (0905) الفردوس

هاتف :

00963 11 222 98 36

بريد ألكتروني:

cadmus@net.sy