ربيعة قادر.. قصة تركستانية شديدة العذوبة!!
صفحة 1 من اصل 1
ربيعة قادر.. قصة تركستانية شديدة العذوبة!!
بقلم: صهيب جاسم
أسماء كثيرة في عالمنا الإسلامي على امتداده نسمعها ولا نعرف أصحابها، وقد لا نسمعها أصلاً.. والمؤلم أن تدفع هذه الأحداث على الساحة فقط حين تُطرح على الأجندة الغربية، والأمريكية تحديدًا؛ لا لوجه الإسلام بالقطع، ولكن لأغراض في نفس العم سام..
فعندما زار الرئيس الأمريكي جورج بوش الصين للمرة الثانية في فبراير 2002 الماضي وجّه الكاتب الصيني المسلم "صديق راضي" رسالة للرئيس بوش باعتبار أن كاتبها أحد أفراد الأقلية الإيغورية المسلمة التي يعيش أعداد منها في المنفى بالولايات المتحدة، مطالبًا إياه باستغلال زيارته للصين لفكّ أَسر زوجته السيدة ربيعة قادر، التي تحولت من ربة منزل عادية إلى رمز وطني وقومي لتركستان.
أم "الإحدى عشرة".. سيدة أعمال مبهرة
تبلغ السيدة ربيعة قادر 54 عامًا، لها من الأولاد [ذكورًا وإناثًا] أحد عشر، وزوجها "صديق راضي" يعمل أستاذًا في معهد البيداجوجي Pedagogy (أصول التدريس) إلى جانب تدريسه الأدب في إقليمه "سينكيانج"، وهو بالإضافة إلى ذلك كاتب مرموق مهتم بحقوق الأقلية الإيغورية المسلمة.. هرب زوجها إلى الولايات المتحدة طالبًا حق اللجوء السياسي في بداية عام 1996 بعد أن سُجن سياسيًّا بسبب أنشطته وحركته، خاصة تعليقاته الإذاعية عن أوضاع تركستان.
ولم يكن هذا هو الحكم الأول على "راضي"، فقد حُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات عندما كان طالبًا؛ لتنظيمه مظاهرات ضد سياسات الحكومة الصينية.. وبعد أن أصبح أستاذًا في الأدب في جامعة سينكيانج كتب مقالات تنتقد ما يكتبه المؤرخون الصينيون عن منطقته، ثم ساهم في إذاعة راديو آسيا الحرة بمساهمات أغضبت حكومة بكين؛ فوضعته في قائمتها السوداء، واضطر بعدها لترك بلاده إلى أمريكا، حيث حصل على اللجوء في أكتوبر 1996.
لم تجد ربيعة إزاء ظروف زوجها المتعثرة –حتى قبل هروبه- إلا اقتحام سوق العمل؛ سعيًا على أولادها، وتأمينًا لحياة مستقرة لأسرتها كبيرة العدد، أسست في البداية مكانًا متواضعًا لكيِّ وغسل الملابس، ثم تحولت إلى بيع أزهار وبذور دوار الشمس، واستطاعت في مدة وجيزة مدهشة أن تنجح في عملها لدرجة أنها أصبحت من أصحاب الملايين.
تلقفت وسائل الإعلام الصينية نجاح ربيعة، وأرادت أن تستغله لمصلحة النظام؛ محولة هذا القهر والنفي إلى نجاح سياسات الدولة تجاه القوميات المسلمة وخاصة من الإيغور..
اشترت ربيعة محلاًّ لها في وسط عاصمة الإقليم أورومجي وأسست شركتها التجارية، وكانت مثالاً ناجحًا للتاجرة المسلمة؛ فقد بدأت أعمالها في إقليمها التركستاني، ثم توسعت إلى الأقاليم الصينية الأخرى. ولقرب إقليمها وقربها الثقافي والديني كمسلمة من دول آسيا الوسطى فقد امتدت اتصالاتها التجارية إلى تلك الدول، ثم إلى إيران، وأخيرا إلى تركيًا.
الزوجة الوفية لا تغريها الثروة
بلغت ربيعة أوج نجاحها في سبتمبر 1994 حين اختيرت من ضمن أغنى 10 أقطاب تجارية في الصين من قِبل مجلة "فورتشون" الأمريكية المعروفة، ثم كانت ضمن الوفد الصيني في مؤتمر المرأة في بكين الشهير في عام 1995.
لكن الأيام لم تسِر على ذلك المنوال؛ فبعد أن اختارتها الحكومة الصينية بهدف استغلالها كممثلة للإيغور في مؤتمر الشعب الصيني للاستشارات السياسية، تراجعت الحكومة عن اختيارها في أية مهمة رسمية، وضيقت على تحركاتها، ثم سحبت منها جواز السفر؛ لمنعها من التوجه لأمريكا بعد حصولها على تأشيرة للاستمرار في أعمالها هناك.
وبعد أن وضعتها الحكومة في هذا المأزق قدمت لها حلاًّ.. لكن من يستطيع أن يقبله؟! عرضت الحكومة على ربيعة أن تتبرأ من زوجها، وتعلن انفصالها عنه مقابل منحها مناصب في الدولة لكنها رفضت، وبدأ المؤتمر الشعبي الصيني ينتقد ربيعة بالقسوة علنًا بسبب تحرك زوجها المعارض.
إرسال الصحف المحلية للزوج.. خيانة للدولة!!
في مارس 1999 بدأت استجوابات السلطات الصينية لربيعة قادر من آنٍ لآخر، وفي مايو من نفس العام اتصل بها زوجها ليطلب منها إرسال صحف محلية إليه، فأرسلت له عددا منها، فأخذتها الحكومة الصينية ذريعة لاتهامها بإرسال معلومات حكومية لجهات أجنبية بالبريد العادي إلى الخارج، وفي 11 أغسطس 1999 اعتُقلت ووجهت لها مباشرة تهمة "تسريب أسرار الدولة وتوفير معلومات لمنظمات أجنبية"، وكانت حينها في طريقها للقاء وفد من لجنة حقوق الإنسان بالكونجرس الأمريكي الذين جاءوا علنًا لزيارة الصين، وكان اعتقالها قبل أن يتم اللقاء، واعتقلت السلطات أيضًا ولديها عبد الكريم وعليم ومساعدتها قهرمان عبد الكريم!!
وبينما أُطلق سراح عليم سجن أخوه عبد الكريم لمدة ثلاث سنوات في معسكر للأعمال الشاقة بتهمة دعم "الانفصاليين"، وبعد توقيف لأكثر من عام صدر الحكم عليها بالسجن لثماني سنوات أُخر بتهمة "إخراج معلومات إلى خارج الصين بطريقة غير شرعية".
وخلال المحاكمة ظهر أن معنى "أسرار الدولة" ما زال واسعًا جدًّا بالنسبة للحزب الشيوعي حتى الآن؛ فقد يعني أية معلومات –مهما كانت- بما في ذلك إرسال صحف محلية غير الصحف الرسمية الكبيرة إلى الخارج.
الثروة في خدمة المبدأ والبسطاء
ولعل سبب اعتقالها وسجنها الحقيقي ليس امتلاكها للمال بقدر أنها استخدمته لتدريب وتوظيف نساء قومها؛ وهو ما جعلهم ينظرون إليها كشخصية اجتماعية مؤثرة بدأت العمل الاجتماعي والخيري الذي سيقودها لتكون شخصية رأي عام وقيادية بين المسلمات الإيغوريات.. وهذا السبب –في نظر البعض- هو المحرك الهام لمخاوف الحكومة المركزية والإقليمية، وبصورة تقليدية متكررة في كثير من بلدان العالم؛ فقد كان تأسيسها لـ "حركة الألف أم" عام 1997 لتوفير فرص العمل للنساء الإيغوريات وفتح مركز لتعليم اللغات ومحو الأمية لفتيات قومها سببًا في إثارة مخاوف الحكومة الصينية من أي تحرك اجتماعي اقتصادي مستقل بين القومية الإيغورية.
وقد دفع قرار اعتقالها هي وابنها إلى تسليط الضوء مرة أخرى على قضية المسلمين في تركستان الشرقية، فاستنكرت منظمة العفو الدولية في أكثر من تقرير لها ما حدث لربيعة، ولحقتها لجنة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية، وامتد الأمر لوزارة الخارجية الأمريكية التي دعت الصين إلى إطلاق سراحها، كما أصدر النواب وأعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيون قرارين (لكنهما غير ملزمين، عكس القرارات التي تصدر ضد الدول المسلمة الملزمة) يدعون فيه لتحريرها من سجنها هي وابنها، ومساعدتها.. وعرضت عليهم الهجرة للولايات المتحدة لو أرادوا ذلك، وهو ما لم يحدث.
بل إن الاتصالات والرسائل ممنوعة على ربيعة كغيرها من سجينات الرأي في تركستان الشرقية، ولم يسمح لأحد بزيارتها خلال 23 شهرًا مضت إلا بعض أقربائها لخمس مرات فقط.
ورغم أن منظمة العفو الدولية أدرجت السيدة ربيعة ضمن سجينات الرأي، وكررت طلبها بإطلاق سراحها؛ حيث إنها ما تزال تقضي فترة سجن سياسي لقرابة عقد حتى عام 2009، وذلك في سجن باجهاو خارج مدينة أورومجي عاصمة الإقليم – لم يجد صديق راضي بُدًّا من مخاطبة الرئيس بوش لتبني إطلاق سراح ربيعة، لكن زيارة بوش انتهت ورجع إلى واشنطن دون نتيجة إيجابية بشأن ربيعة، فضلاً عن أية نتيجة إيجابية بشأن قومها من التركستانيين.
ولم يعدُ بوش إلا أن استخدم قضيتها كورقة ضغط على الحكومة الصينية، لا كدفاع عن مبدأ.
ولم تكن تلك المرة هي الأولى التي يتردد فيها اسم ربيعة قادر في المحافل الدولية؛ فرغم التحيز المعاكس الذي تلقاه قضايا المسلمين الدامية في العالم من قِبل الأمم المتحدة ومجلسها – فقد اختارت لجنتها الخاصة بمراقبة حقوق الإنسان ربيعة قادر كأحد الفائزين الخمسة بأعلى جوائز حقوق الإنسان الدولية لعام 2000.
وكان لا بد أن يذكر الناسون في العالم الإسلامي أن امرأة الأعمال التركستانية قد كانت ثانية الحاصلين غيابيًّا على الجائزة التكريمية في عشاء خيري أقامته اللجنة بلوس أنجلوس في 16 نوفمبر 2000.
وبالنسبة لنا كمسلمين فهي مثال آخر لتضحية المرأة المسلمة بنفسها ومالها وأسرتها إلى جانب أخيها الرجل من أجل خدمة قضية منسية.
ربيعة رمز.. لكنها ليست وحدها
وتُعد قضية ربيعة اليوم أحد الملفات المطوية بظلام الحكم الشيوعي في إقليم تركستان الشرقية أو ما يُعرف بـ"سينكيانج" –اسمها الرسمي- منطقة الحكم الذاتي للإيغور الذي يفتقد تطبيقًا حقيقيًا له.
وهي واحدة من عشرات الآلاف من المساجين في الإقليم ممن يتعرضون للتعذيب في إقليم هو الوحيد بين الأقاليم الصينية الذي يشهد تكرارًا لأحكام الإعدام بتهم سياسية في السنوات الماضية كما يروي ذلك التركستانيون. فقد اتهمتها السلطات في محاكمها الصورية بـ" تسريب أسرار الدولة وتوفير معلومات لجهات أجنبية"، مع أنها كانت ترسل الصحف التي تباع في شوارع إقليمها الواقع في أقصى الشمال الغربي للصين إلى زوجها الذي يعيش في منفاه بالولايات المتحدة، وبعد أسبوعين من إعلان تسلمها الجائزة وفي مطلع شهر ديسمبر 2000 رفضت محكمة الشعب العليا في أورومجي عاصمة الإقليم ذي الأغلبية المسلمة استئنافها الحكم، والتهم التي وجهت لها، وحكم عليها بالسجن لمدة ثماني سنوات؛ أي حتى مطلع عام 2009.
الغرب يهتم.. والسؤال الدائم: أين المسلمون؟!
وقد ذكرت مصادر صحفية أن الحكومة البريطانية قد أثارت القضية خلال زيارة الرئيس الصيني لبريطانيا في أكتوبر 1999، ثم خلال زيارة نائب وزير الخارجية يانغ جيشي في مارس 2000. وعادت قضيتها لتثار أمام الرئيس جيانغ زيمين من قبل المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ماري روبنسون عندما التقت به في 21 نوفمبر 2000 وقبل أسبوع من إصدار الحكم عليها، في الوقت الذي استمر التركستانيون حول العالم في تنظيم مظاهرات تنديدية بانتهاكات حقوق الإنسان في وطنهم أمام السفارات الصينية، وكان دور زوجها بارزا في نشر قصتها في وسائل الإعلام الغربية حتى أصبحت مثالاً للتضحية ورمزًا للكفاح بين الإيغوريين، تمامًا كما هو الحال بالنسبة لزعيمة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية "أونج سان سو كي في ماينمار" -بورما سابقا-.
ويقول التركستانيون: إن قضية ربيعة قد أثارت قضيتهم بشكل مختلف، ومع تزايد الحديث عنها من قِبل المسئولين الغربيين فإن الحكومة الصينية لا تريد أن تخسر في قضية إعلامية أمام المجتمع الدولي، وهذا ما يجعل الاختيار صعبًا بين إبقائها سجينة أو إطلاق سراحها مع الاشتراط عليها بأن تترك البلد.
لكن مسئولي الحزب الشيوعي بعد أن ظلوا مترددين في أسلوب التعامل معها أصروا في النهاية على سجنها لمدة ثمانية أعوام بهدف ألا تتشجع شخصيات مسلمة أخرى بالتحرك بشكل مماثل؛ فتبرز القضية التركستانية مرة أخرى، كما أن اعتقالها جاء تحذيرًا للأغنياء الآخرين من الإيغور الذين يرغبون في استخدام مالهم لصالح قضيتهم.
غير أن الملاحظ أن اهتمام الدول الغربية ومنظماتها بقضية التبت أكثر من اهتمامهم بقضية المسلمين وبفارق شاسع، ولأن صحة ربيعة قادر تتدهور حاليا بسبب المعاملة السيئة فإن هناك مخاوف رسمية من أن تؤدي وفاتها إلى اندلاع أحداث دامية على امتداد الإقليم، وقد يؤدي ذلك إلى تدهور العلاقة بين الهان الصينيين والإيغور المسلمين.
إن قصة ربيعة قادر تعطينا تصورًا عن الأسلوب المعقد للحكومة الصينية في محاولتها لاستغلال الشخصيات الهامة والناجحة من المسلمين لصالح سياستها وأيديولوجيتها وسيطرتها السياسية.. ثم عدم التردد في استخدام أشد الأساليب عند عدم استجابة الإنسان التركستاني للمطالب المجحفة، وما يسمى بـ"التعاون" الذي يريدونه.
وحسب تقارير منظمة العفو الدولية، فإن الحكومة الصينية تقتل وتعذب من تراه وتشك في نشاطه بتهمة دعم التيار الانفصالي في إقليم سينجيانغ الذي يُعد الإقليم الوحيد الذي تستمر فيه عمليات الاعتقال والمحاكمة السياسية والدينية حتى اليوم بشكل مثير لقلق منظمات حقوق الإنسان.
ربيعة على درب ابن تيمية!!..
ومع أن الحكومة الصينية قد اعتقلت ربيعة، وأصرت على محاكمتها وسجنها، فإن ذلك لم يصنع منها إلا بطلة معاصرة في أذهان التركستانيات حينما نجحت في عملها التجاري وخدمت بنات قومها، ثم حاولت إيصال صوت شعبها عبر مجلس الشعب، وبعد ذلك رفضت أن تتخلى عن موقفها وعن زوجها وقضيتها..
وعلى مبدأ "ابن تيمية"، فإن كل الحالات المحتملة في صالح ربيعة: السجن والنفي والقتل.. فستكون وفاتها -إن كان ذلك مكتوبًا لها في أقدارها- تخليدًا لها ضمن سجل شهيدات المسلمين في القرن الحادي والعشرين، وسيزيد من السخط على حكومتها بين الإيغوريين، وإن نُفيت إلى الخارج فستكون دفعة جديدة لتحركات الإيغوريين في خارج الصين، ولو بقيت في السجن حتى انتهاء مدة سجنها فستظل مثالاً للشجاعة والقوة والتضحية والولاء.
أسماء كثيرة في عالمنا الإسلامي على امتداده نسمعها ولا نعرف أصحابها، وقد لا نسمعها أصلاً.. والمؤلم أن تدفع هذه الأحداث على الساحة فقط حين تُطرح على الأجندة الغربية، والأمريكية تحديدًا؛ لا لوجه الإسلام بالقطع، ولكن لأغراض في نفس العم سام..
فعندما زار الرئيس الأمريكي جورج بوش الصين للمرة الثانية في فبراير 2002 الماضي وجّه الكاتب الصيني المسلم "صديق راضي" رسالة للرئيس بوش باعتبار أن كاتبها أحد أفراد الأقلية الإيغورية المسلمة التي يعيش أعداد منها في المنفى بالولايات المتحدة، مطالبًا إياه باستغلال زيارته للصين لفكّ أَسر زوجته السيدة ربيعة قادر، التي تحولت من ربة منزل عادية إلى رمز وطني وقومي لتركستان.
أم "الإحدى عشرة".. سيدة أعمال مبهرة
تبلغ السيدة ربيعة قادر 54 عامًا، لها من الأولاد [ذكورًا وإناثًا] أحد عشر، وزوجها "صديق راضي" يعمل أستاذًا في معهد البيداجوجي Pedagogy (أصول التدريس) إلى جانب تدريسه الأدب في إقليمه "سينكيانج"، وهو بالإضافة إلى ذلك كاتب مرموق مهتم بحقوق الأقلية الإيغورية المسلمة.. هرب زوجها إلى الولايات المتحدة طالبًا حق اللجوء السياسي في بداية عام 1996 بعد أن سُجن سياسيًّا بسبب أنشطته وحركته، خاصة تعليقاته الإذاعية عن أوضاع تركستان.
ولم يكن هذا هو الحكم الأول على "راضي"، فقد حُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات عندما كان طالبًا؛ لتنظيمه مظاهرات ضد سياسات الحكومة الصينية.. وبعد أن أصبح أستاذًا في الأدب في جامعة سينكيانج كتب مقالات تنتقد ما يكتبه المؤرخون الصينيون عن منطقته، ثم ساهم في إذاعة راديو آسيا الحرة بمساهمات أغضبت حكومة بكين؛ فوضعته في قائمتها السوداء، واضطر بعدها لترك بلاده إلى أمريكا، حيث حصل على اللجوء في أكتوبر 1996.
لم تجد ربيعة إزاء ظروف زوجها المتعثرة –حتى قبل هروبه- إلا اقتحام سوق العمل؛ سعيًا على أولادها، وتأمينًا لحياة مستقرة لأسرتها كبيرة العدد، أسست في البداية مكانًا متواضعًا لكيِّ وغسل الملابس، ثم تحولت إلى بيع أزهار وبذور دوار الشمس، واستطاعت في مدة وجيزة مدهشة أن تنجح في عملها لدرجة أنها أصبحت من أصحاب الملايين.
تلقفت وسائل الإعلام الصينية نجاح ربيعة، وأرادت أن تستغله لمصلحة النظام؛ محولة هذا القهر والنفي إلى نجاح سياسات الدولة تجاه القوميات المسلمة وخاصة من الإيغور..
اشترت ربيعة محلاًّ لها في وسط عاصمة الإقليم أورومجي وأسست شركتها التجارية، وكانت مثالاً ناجحًا للتاجرة المسلمة؛ فقد بدأت أعمالها في إقليمها التركستاني، ثم توسعت إلى الأقاليم الصينية الأخرى. ولقرب إقليمها وقربها الثقافي والديني كمسلمة من دول آسيا الوسطى فقد امتدت اتصالاتها التجارية إلى تلك الدول، ثم إلى إيران، وأخيرا إلى تركيًا.
الزوجة الوفية لا تغريها الثروة
بلغت ربيعة أوج نجاحها في سبتمبر 1994 حين اختيرت من ضمن أغنى 10 أقطاب تجارية في الصين من قِبل مجلة "فورتشون" الأمريكية المعروفة، ثم كانت ضمن الوفد الصيني في مؤتمر المرأة في بكين الشهير في عام 1995.
لكن الأيام لم تسِر على ذلك المنوال؛ فبعد أن اختارتها الحكومة الصينية بهدف استغلالها كممثلة للإيغور في مؤتمر الشعب الصيني للاستشارات السياسية، تراجعت الحكومة عن اختيارها في أية مهمة رسمية، وضيقت على تحركاتها، ثم سحبت منها جواز السفر؛ لمنعها من التوجه لأمريكا بعد حصولها على تأشيرة للاستمرار في أعمالها هناك.
وبعد أن وضعتها الحكومة في هذا المأزق قدمت لها حلاًّ.. لكن من يستطيع أن يقبله؟! عرضت الحكومة على ربيعة أن تتبرأ من زوجها، وتعلن انفصالها عنه مقابل منحها مناصب في الدولة لكنها رفضت، وبدأ المؤتمر الشعبي الصيني ينتقد ربيعة بالقسوة علنًا بسبب تحرك زوجها المعارض.
إرسال الصحف المحلية للزوج.. خيانة للدولة!!
في مارس 1999 بدأت استجوابات السلطات الصينية لربيعة قادر من آنٍ لآخر، وفي مايو من نفس العام اتصل بها زوجها ليطلب منها إرسال صحف محلية إليه، فأرسلت له عددا منها، فأخذتها الحكومة الصينية ذريعة لاتهامها بإرسال معلومات حكومية لجهات أجنبية بالبريد العادي إلى الخارج، وفي 11 أغسطس 1999 اعتُقلت ووجهت لها مباشرة تهمة "تسريب أسرار الدولة وتوفير معلومات لمنظمات أجنبية"، وكانت حينها في طريقها للقاء وفد من لجنة حقوق الإنسان بالكونجرس الأمريكي الذين جاءوا علنًا لزيارة الصين، وكان اعتقالها قبل أن يتم اللقاء، واعتقلت السلطات أيضًا ولديها عبد الكريم وعليم ومساعدتها قهرمان عبد الكريم!!
وبينما أُطلق سراح عليم سجن أخوه عبد الكريم لمدة ثلاث سنوات في معسكر للأعمال الشاقة بتهمة دعم "الانفصاليين"، وبعد توقيف لأكثر من عام صدر الحكم عليها بالسجن لثماني سنوات أُخر بتهمة "إخراج معلومات إلى خارج الصين بطريقة غير شرعية".
وخلال المحاكمة ظهر أن معنى "أسرار الدولة" ما زال واسعًا جدًّا بالنسبة للحزب الشيوعي حتى الآن؛ فقد يعني أية معلومات –مهما كانت- بما في ذلك إرسال صحف محلية غير الصحف الرسمية الكبيرة إلى الخارج.
الثروة في خدمة المبدأ والبسطاء
ولعل سبب اعتقالها وسجنها الحقيقي ليس امتلاكها للمال بقدر أنها استخدمته لتدريب وتوظيف نساء قومها؛ وهو ما جعلهم ينظرون إليها كشخصية اجتماعية مؤثرة بدأت العمل الاجتماعي والخيري الذي سيقودها لتكون شخصية رأي عام وقيادية بين المسلمات الإيغوريات.. وهذا السبب –في نظر البعض- هو المحرك الهام لمخاوف الحكومة المركزية والإقليمية، وبصورة تقليدية متكررة في كثير من بلدان العالم؛ فقد كان تأسيسها لـ "حركة الألف أم" عام 1997 لتوفير فرص العمل للنساء الإيغوريات وفتح مركز لتعليم اللغات ومحو الأمية لفتيات قومها سببًا في إثارة مخاوف الحكومة الصينية من أي تحرك اجتماعي اقتصادي مستقل بين القومية الإيغورية.
وقد دفع قرار اعتقالها هي وابنها إلى تسليط الضوء مرة أخرى على قضية المسلمين في تركستان الشرقية، فاستنكرت منظمة العفو الدولية في أكثر من تقرير لها ما حدث لربيعة، ولحقتها لجنة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية، وامتد الأمر لوزارة الخارجية الأمريكية التي دعت الصين إلى إطلاق سراحها، كما أصدر النواب وأعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيون قرارين (لكنهما غير ملزمين، عكس القرارات التي تصدر ضد الدول المسلمة الملزمة) يدعون فيه لتحريرها من سجنها هي وابنها، ومساعدتها.. وعرضت عليهم الهجرة للولايات المتحدة لو أرادوا ذلك، وهو ما لم يحدث.
بل إن الاتصالات والرسائل ممنوعة على ربيعة كغيرها من سجينات الرأي في تركستان الشرقية، ولم يسمح لأحد بزيارتها خلال 23 شهرًا مضت إلا بعض أقربائها لخمس مرات فقط.
ورغم أن منظمة العفو الدولية أدرجت السيدة ربيعة ضمن سجينات الرأي، وكررت طلبها بإطلاق سراحها؛ حيث إنها ما تزال تقضي فترة سجن سياسي لقرابة عقد حتى عام 2009، وذلك في سجن باجهاو خارج مدينة أورومجي عاصمة الإقليم – لم يجد صديق راضي بُدًّا من مخاطبة الرئيس بوش لتبني إطلاق سراح ربيعة، لكن زيارة بوش انتهت ورجع إلى واشنطن دون نتيجة إيجابية بشأن ربيعة، فضلاً عن أية نتيجة إيجابية بشأن قومها من التركستانيين.
ولم يعدُ بوش إلا أن استخدم قضيتها كورقة ضغط على الحكومة الصينية، لا كدفاع عن مبدأ.
ولم تكن تلك المرة هي الأولى التي يتردد فيها اسم ربيعة قادر في المحافل الدولية؛ فرغم التحيز المعاكس الذي تلقاه قضايا المسلمين الدامية في العالم من قِبل الأمم المتحدة ومجلسها – فقد اختارت لجنتها الخاصة بمراقبة حقوق الإنسان ربيعة قادر كأحد الفائزين الخمسة بأعلى جوائز حقوق الإنسان الدولية لعام 2000.
وكان لا بد أن يذكر الناسون في العالم الإسلامي أن امرأة الأعمال التركستانية قد كانت ثانية الحاصلين غيابيًّا على الجائزة التكريمية في عشاء خيري أقامته اللجنة بلوس أنجلوس في 16 نوفمبر 2000.
وبالنسبة لنا كمسلمين فهي مثال آخر لتضحية المرأة المسلمة بنفسها ومالها وأسرتها إلى جانب أخيها الرجل من أجل خدمة قضية منسية.
ربيعة رمز.. لكنها ليست وحدها
وتُعد قضية ربيعة اليوم أحد الملفات المطوية بظلام الحكم الشيوعي في إقليم تركستان الشرقية أو ما يُعرف بـ"سينكيانج" –اسمها الرسمي- منطقة الحكم الذاتي للإيغور الذي يفتقد تطبيقًا حقيقيًا له.
وهي واحدة من عشرات الآلاف من المساجين في الإقليم ممن يتعرضون للتعذيب في إقليم هو الوحيد بين الأقاليم الصينية الذي يشهد تكرارًا لأحكام الإعدام بتهم سياسية في السنوات الماضية كما يروي ذلك التركستانيون. فقد اتهمتها السلطات في محاكمها الصورية بـ" تسريب أسرار الدولة وتوفير معلومات لجهات أجنبية"، مع أنها كانت ترسل الصحف التي تباع في شوارع إقليمها الواقع في أقصى الشمال الغربي للصين إلى زوجها الذي يعيش في منفاه بالولايات المتحدة، وبعد أسبوعين من إعلان تسلمها الجائزة وفي مطلع شهر ديسمبر 2000 رفضت محكمة الشعب العليا في أورومجي عاصمة الإقليم ذي الأغلبية المسلمة استئنافها الحكم، والتهم التي وجهت لها، وحكم عليها بالسجن لمدة ثماني سنوات؛ أي حتى مطلع عام 2009.
الغرب يهتم.. والسؤال الدائم: أين المسلمون؟!
وقد ذكرت مصادر صحفية أن الحكومة البريطانية قد أثارت القضية خلال زيارة الرئيس الصيني لبريطانيا في أكتوبر 1999، ثم خلال زيارة نائب وزير الخارجية يانغ جيشي في مارس 2000. وعادت قضيتها لتثار أمام الرئيس جيانغ زيمين من قبل المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ماري روبنسون عندما التقت به في 21 نوفمبر 2000 وقبل أسبوع من إصدار الحكم عليها، في الوقت الذي استمر التركستانيون حول العالم في تنظيم مظاهرات تنديدية بانتهاكات حقوق الإنسان في وطنهم أمام السفارات الصينية، وكان دور زوجها بارزا في نشر قصتها في وسائل الإعلام الغربية حتى أصبحت مثالاً للتضحية ورمزًا للكفاح بين الإيغوريين، تمامًا كما هو الحال بالنسبة لزعيمة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية "أونج سان سو كي في ماينمار" -بورما سابقا-.
ويقول التركستانيون: إن قضية ربيعة قد أثارت قضيتهم بشكل مختلف، ومع تزايد الحديث عنها من قِبل المسئولين الغربيين فإن الحكومة الصينية لا تريد أن تخسر في قضية إعلامية أمام المجتمع الدولي، وهذا ما يجعل الاختيار صعبًا بين إبقائها سجينة أو إطلاق سراحها مع الاشتراط عليها بأن تترك البلد.
لكن مسئولي الحزب الشيوعي بعد أن ظلوا مترددين في أسلوب التعامل معها أصروا في النهاية على سجنها لمدة ثمانية أعوام بهدف ألا تتشجع شخصيات مسلمة أخرى بالتحرك بشكل مماثل؛ فتبرز القضية التركستانية مرة أخرى، كما أن اعتقالها جاء تحذيرًا للأغنياء الآخرين من الإيغور الذين يرغبون في استخدام مالهم لصالح قضيتهم.
غير أن الملاحظ أن اهتمام الدول الغربية ومنظماتها بقضية التبت أكثر من اهتمامهم بقضية المسلمين وبفارق شاسع، ولأن صحة ربيعة قادر تتدهور حاليا بسبب المعاملة السيئة فإن هناك مخاوف رسمية من أن تؤدي وفاتها إلى اندلاع أحداث دامية على امتداد الإقليم، وقد يؤدي ذلك إلى تدهور العلاقة بين الهان الصينيين والإيغور المسلمين.
إن قصة ربيعة قادر تعطينا تصورًا عن الأسلوب المعقد للحكومة الصينية في محاولتها لاستغلال الشخصيات الهامة والناجحة من المسلمين لصالح سياستها وأيديولوجيتها وسيطرتها السياسية.. ثم عدم التردد في استخدام أشد الأساليب عند عدم استجابة الإنسان التركستاني للمطالب المجحفة، وما يسمى بـ"التعاون" الذي يريدونه.
وحسب تقارير منظمة العفو الدولية، فإن الحكومة الصينية تقتل وتعذب من تراه وتشك في نشاطه بتهمة دعم التيار الانفصالي في إقليم سينجيانغ الذي يُعد الإقليم الوحيد الذي تستمر فيه عمليات الاعتقال والمحاكمة السياسية والدينية حتى اليوم بشكل مثير لقلق منظمات حقوق الإنسان.
ربيعة على درب ابن تيمية!!..
ومع أن الحكومة الصينية قد اعتقلت ربيعة، وأصرت على محاكمتها وسجنها، فإن ذلك لم يصنع منها إلا بطلة معاصرة في أذهان التركستانيات حينما نجحت في عملها التجاري وخدمت بنات قومها، ثم حاولت إيصال صوت شعبها عبر مجلس الشعب، وبعد ذلك رفضت أن تتخلى عن موقفها وعن زوجها وقضيتها..
وعلى مبدأ "ابن تيمية"، فإن كل الحالات المحتملة في صالح ربيعة: السجن والنفي والقتل.. فستكون وفاتها -إن كان ذلك مكتوبًا لها في أقدارها- تخليدًا لها ضمن سجل شهيدات المسلمين في القرن الحادي والعشرين، وسيزيد من السخط على حكومتها بين الإيغوريين، وإن نُفيت إلى الخارج فستكون دفعة جديدة لتحركات الإيغوريين في خارج الصين، ولو بقيت في السجن حتى انتهاء مدة سجنها فستظل مثالاً للشجاعة والقوة والتضحية والولاء.
aslan oglu- Üst çavuş
- عدد الرسائل : 237
العمر : 47
العائلة التركمانية : oğuz Avşar
تاريخ التسجيل : 14/04/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى